السبت ٣٠ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ٨, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الاستعداد لحرب خاطفة على جبهة الجولان! - سليم نصار
لم يكن يتوقع المطالبون بإزاحة بشار الأسد عن سدة الحكم في سوريا أن يغالي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رفضه لمناقشة أي اقتراح يعزز فكرة اختيار البديل. وعندما قورنت أعمال الإبادة الجماعية التي مارسها طوال خمس سنوات بأعمال صدام حسين ومعمر القذافي، دافع عنه بوتين بتحميل المعارضة وزر السلاح الكيميائي الذي استعمل في أكثر من مناسبة. 

 وعلى أثر تصويب الاتهامات باتجاه ميليشيات المعارضة، عقد المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روس مؤتمراً صحافياً في مقر الأمم المتحدة، قدم خلاله أدلة جديدة على ضلوع النظام السوري في استخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين أربع مرات على الأقل منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

ومع أن النظام اتُّهِم باستخدام السلاح الكيميائي آخر مرة في "خان شيخون"، إلا أنه استخدمه (161 مرة) في حالات معينة منذ سنة 2013. أي منذ وافقت موسكو على إبرام اتفاق عرضه الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما.

حدث كل هذا في وقت لم يعد يشعر سيد النظام بخطر المعارضة. خصوصاً بعدما طمأنه دونالد ترامب بأن رحيله لم يعد أولوية اميركية، وانه في استطاعته البقاء في الحكم حتى نهاية ولايته في 2021.

يقول المحللون إن كل الفرضيات التي طُرِحَت لتفسير أسباب الهجوم الكيميائي لم تكن مقنعة، ما عدا فرضية واحدة مفادها أن الأسد أراد بلوغ أقصى درجات العنف مع المعارضة كي يثبت أنه مفاوض لا غنى عنه في سوريا الغد. والثابت أن الأسد أراد تذكير بوتين بأن التخلي عن حليفه مقابل السماح له بضم القرم لن يكون عملاً سهلاً. ولقد وصفت دمشق في حينه تغيير موقف الرئيس الروسي بأنه "طعنة في الظهر"، وأن الهجوم الكيميائي لا يستأهل عقاب إزاحة بشار الأسد! وكان من الطبيعي أن تؤيد طهران غضب دمشق، خصوصاً بعد تفرد أنقرة وموسكو بالحل في "الآستانة"، ورغبتهما في تقاسم السلطة مع المعارضة المهزومة عسكرياً.

وهكذا ظهرت مؤشرات التصدع على التحالف الروسي - الايراني - التركي في سوريا.

بوادر هذا التصدع برزت عقب الزيارة التي قام بها لموسكو وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون. وقد تركزت محادثاته مع بوتين على إيجاد بديل آخر تختاره موسكو، لأن الدول الغربية لم تعد قادرة على التعامل مع حاكم استخدم الكيميائي ضد شعبه.

وذكرت الصحف الاميركية إن تيلرسون استعان بحديث زميله البريطاني بوريس جونسون، الذي وصف بشار الأسد بأنه "الارهابي الأكبر".

وكتب جونسون في صحيفة "صنداي تلغراف" مقالة دعا فيها موسكو الى فك تحالفها مع نظام مسؤول عن مقتل 310 آلاف شخص، ونزوح أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، إضافة الى تدمير هائل في البنية التحتية. كل هذا بسبب مظاهرة سلمية طالبت بالإصلاحات في آذار (مارس) 2011. وبدلاً من فتح حوار مع المضربين وذويهم، واجههم الأسد بالاعتقال والضرب. وكانت حجته إن كل مَنْ يخلّ بالأمن هو "إرهابي".

المهم، ان بوتين قابل اقتراح الوزير الاميركي بعرض سلسلة عوائق إدارية ودستورية، وقال إنه من الصعب تحقيقها قبل الاتفاق مع الأسد والطائفة العلوية والجيش النظامي على مخرج مقبول من كل الأطراف. وإلا، فإن سوريا ستتحول سريعاً الى عراق آخر. وطلب الرئيس الروسي معاونة الولايات المتحدة على دعم المقترحات التي تبدأ بإقرار دستور يؤسس لانتخابات مباشرة تشرف عليها الأمم المتحدة خلال مدة لا تتعدى الستة أشهر.

ولما سأله الوزير تيلرسون عن احتمال خوض بشار الأسد الانتخابات المقبلة، أجاب بوتين بالايجاب، لأن البديل في نظره هو "الفوضى". وقال إن الإعداد لمرحلة ملء الفراغ الرئاسي تحتاج الى فترة انتقالية هادئة... والى إقناع ميليشيات المعارضة ومَن يمولها بضرورة وقف الحرب الأهلية.

الوزير الاميركي اقترح اختيار مجلس انتقالي مؤلف من حزبيين وعسكريين وعلويين ورؤساء عشائر وممثلي أقليات ومذاهب. ويكون هذا المجلس مسؤولاً عن تقطيع المرحلة الانتقالية بانتظار تنفيذ كامل خطة التسوية النهائية.

ومن أجل تطمين الرئيس بشار وعائلته، اقترح أن يُعفى الجميع من الملاحقة القضائية، وأن يُخيَّر في انتقاء مكان سكنه... في طهران، أم في موسكو، أم في أي مكان آخر!

وقبل أن يغادر الوزير الاميركي، حرص بوتين على تذكيره بأن موسكو لن تتخلى عن النظام الذي أسسه حافظ الأسد، وأن البديل سيكون من داخل النظام، حفاظاً على سلامة التحالف الروسي - السوري الذي استمر نصف قرن تقريباً. بعد فترة قصيرة، زار موسكو وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي التقى الوزير سيرغي لافروف، وأجرى معه محادثات مطولة حول دور ايران ومستقبل الأسد.

وعلى الرغم من اختلاف المواقف بينهما، إلا أنهما وجدا أرضية مشتركة للتعاون الاقتصادي والأمني، تبدأ بمحاربة "داعش" و"القاعدة"... وتنتهي بإعادة إعمار سوريا في ظل نشوء نظام اقليمي جديد.

ولكن الاتفاق على تفعيل دور روسيا في سوريا لم يمنع الوزير الجبير من المجاهرة بضرورة تحجيم دور ايران و"حزب الله"، إضافة الى التخلص من الأعباء السياسية التي يشكلها استمرار بشار الأسد. ولم يعلق لافروف على هذا الاقتراح المرفوض من قبله، لأن بلاده استعادت حضوراً دائماً في البحر المتوسط، وأمنت بيع أسلحة بمبالغ خيالية عوضت عن العقوبات المفروضة على تدخلها في اوكرانيا.

قبل أن تغادر المستشارة الألمانية انغيلا ميركل السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة متوجهة الى موسكو، صدرت صحيفة "الوطن" السورية بافتتاحية تنبىء عن تحول لافت في سلوك النظام حيال سياسة موسكو. وتنتقد "الافتتاحية" بقسوة صمت موسكو على الغارات التي قام بها الطيران الاسرائيلي، بهدف تدمير مستودع للأسلحة مرسلة من ايران الى "حزب الله" في لبنان. ولقد أثارت الصحيفة تساؤلات المواطنين الذين اتهموا موسكو بعقد صفقة سرية مع اسرائيل تعفيها من التصدي لطائراتها الحربية فوق الأراضي السورية. علماً أن القواعد البحرية والبرية التي سمحت دمشق لموسكو باستخدامها كانت مشروطة بالدفاع عن سيادة البلاد. من هنا كان تهديد النظام السوري بتوجيه صواريخه نحو الطائرات الاسرائيلية في حال اختراقها لأجواء سوريا مرة أخرى.

 وزير مخابرات اسرائيل "كاتس" أدلى بتصريح لراديو الجيش أكد فيه أن الواقعة التي حدثت في الأجواء السورية تتماشى تماماً مع السياسة التي التزمناها لمنع ايران من تهريب الأسلحة المتطورة الى "حزب الله" عبر سوريا. ومثل هذه السياسة الثابتة أثارت العديد من الأسئلة المتعلقة بصدقية الموقف الروسي المعلن بالنسبة الى شرعية عمل "حزب الله". أي أن موسكو لا توافق على تصنيف "حزب الله" منظمة إرهابية. ولكنها من جهة أخرى تسمح لاسرائيل بحرمان ترسانة "حزب الله" من الأسلحة الصاروخية المتطورة. لهذا وقعت في التناقض، وجعلت السوريين - حكومة وشعباً - يشككون في إخلاصها لدور الرعاية والحماية.

 وكل ما أوردته في هذا الصدد، البيان الذي صدر عن الكرملين، وخلاصته "ان من واجب كل الدول تحاشي أي عمل من شأنه تصعيد التوتر في المنطقة واحترام السيادة السورية!" وحول التهديد السوري لاسرائيل، علق عضو اللجنة الأمنية بيرتس بالقول: "إن اسرائيل لا تخشى من رد سوري على غاراتها، لأنها غارقة في الحرب مع الشعب والمعارضة، ولأنها تعرف أن أي ضربة لاسرائيل ستورطها أكثر فأكثر."

ومن هذا الوضع المتأزم ينطلق السؤال الأهم: وماذا لو جاءت الضربة من "حزب الله"؟

بعد القصف الاميركي على سوريا، بدّل الرئيس ترامب موقفه، وطالب الأسد بالرحيل لأن دوره في سوريا قد إنتهى.

 وربما حملت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل مثل هذه الرسالة الى موسكو بعد زيارتها للسعودية وأبوظبي. خصوصاً أنها جاءت قبل وصول اردوغان الى الكرملين، وقبل الاتصال الهاتفي الذي أجراه ترامب مع بوتين بشأن المسألة السورية.

واستغلت اسرائيل زيارة الاعلاميين الى الجنوب بدعوة من "حزب الله"، لتطلب من سفيرها في الأمم المتحدة داني دانون تقديم شكوى الى مجلس الأمن اتهمت فيه الجيش اللبناني النظامي بتسهيل الجولة.

 وقال السفير أيضاً في الشكوى: إن القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) أصدرت بياناً بعد الحادث ذكرت فيه أن الجيش اللبناني أبلغها مسبقاً بتوقيت الجولة. واعتبر السفير أن التصريح يبين بوضوح أن الجيش اللبناني كان على علم مسبق بالجولة، وان تعاونه مع "حزب الله" مقلق، كونه انتهك القرارين 1701 و1559. وقد توجه رئيس الحكومة سعد الحريري الى الجنوب ليؤكد أن الموقف الرسمي يحترم مقررات مجلس الأمن، وأن التظاهرة الإعلامية لا تعبر عن سياسة الدولة.

المهم، ان رسائل التخويف التي تصل الى السياسيين والاعلاميين يومياً تتحدث عن احتمال نشوب حرب مفاجئة على جبهة الجولان. ويؤكد مطلقو هذه الإشاعات المقلقة أن اسرائيل المتفائلة بانتصار حرب حزيران (يونيو)، تريد تكرار تجربة الانتصار في الشهر ذاته.

في حين يفضل "حزب الله" أن يكرر تجربة صيف 2006، التي كانت بمثابة انتقام لهزيمة العرب في حرب 1967.

وفي انتظار حلول المفاجأة غير المتوقعة، ما زال لبنان يبحث عن صيغة مرضية لقانون الانتخابات. وربما تنقضي المهلة القانونية المحددة بعشرين حزيران، دون التوصل الى حل مرضٍ. عندها قد يضطر الرئيس ميشال عون بموافقة ثلثي مجلس النواب الى اجتراح مخالفة قانونية - مثلما حدث في انتخاب الرئيس ميشال سليمان - تتمثل في حلّ المجلس.

 وبما أن المادة 25 من الدستور تقتضي إجراء انتخابات عامة خلال تسعين يوماً، مستندة الى القانون المعمول به (الستين)... فإن لبنان لا يمكنه ملء الفراغ، إلا بمخالفة الدستور!


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة