| بيروت ـ من وسام أبو حرفوش |
أحدث الخروج المدوي لـ «ابو الهول» عن صمته عصفاً من الضجيج المتدحرج من «ست الدنيا» الى جهات الدنيا الأربع، التي انخرطت في عملية تعقب حثيثة لـ «خريطة الطريق» المصرية نحو انتقال السلطة، والاتجاهات الجديدة التي ستحكم «قاهرة مبارك»، العاصمة «الوازنة» في تحديد «هوية» النظام الاقليمي. ولأن لا صوت يعلو فوق صوت «ابو الهول» بعدما كسر صمته، فإن بيروت التي خرجت للتو من مرحلة «لم تنته بعد» غداة «قلب المعادلة السياسية» بقوة نفوذ سورية وحلفائها، تتمهل في العبور الى مرحلة جديدة بدأت مع تكليف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة «المعادلة المستجدة».
ومع مرور اسبوعين على تكليف ميقاتي كـ «خيار ناعم» لعملية الاقصاء «الخشنة» لزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن السلطة، يسود انطباع في بيروت بأن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة لم يحدد بعد الخيارات التي سيعتمدها في توليه التشكيلة الحكومية، رغم المشاورات الماراثونية التي يجريها مع القوى السياسية المحلية واتصالات «جس النبض» مع سفراء بعض العواصم المهتمة بالوضع في لبنان.
وبات من الواضح ان ميقاتي، الذي افاد من «فترة سماح» املتها التحولات العاصفة في مصر، يواجه تحديات، لعل ابرزها:
• التمهل الاقليمي، لا سيما السوري في حسم الطبيعة السياسية للحكومة في بيروت، في انتظار «التدقيق» في ما ستؤول اليه الاوضاع في المنطقة، في ضوء الحراك الهائل في مصر وبعض الدول الاخرى كاليمن والاردن، غداة ما جرى في تونس. • حوار «رفع العتب» الدائر بين الرئيس ميقاتي وبعض اطراف حركة «14 اذار»، لاسيما الكتائب، والهادف الى استطلاع امكان التوصل الى «ارضية مشتركة» تتيح تمثيل المعارضة الجديدة في الحكومة او بعضها.
• الصراع المكتوم داخل «الاكثرية الحالية» حول «هوية» الحكومة العتيدة، فالبعض يريدها حكومة «مواجهة» ومن لون واحد عبر اقصاء الطرف الآخر ومعه اي تأثير لرئيس الجمهورية، والبعض الآخر لا يمانع في تعريض قاعدتها السياسية والاتيان بشخصيات مستقلة للحد من مضاعفات الانتقال الدراماتيكي للسلطة.
وفي الوقت الذي امل رئيس الجمهورية ميشال سليمان في تعاون المخلصين من اجل انجاز تشكيلة حكومية وفق القواعد الديموقراطية التي يتميّز لبنان بممارستها حتى في أصعب الظروف، أكدت أوساط الرئيس المكلف ان لا جديد طرأ على خط المشاورات المفتوحة مع الطرفين، وهو للغاية يجري اتصالات بعيدة من الأضواء مع المعنيين لبلورة الأمور، وأدرجت سقف المطالب العالي في الإطار الطبيعي للأمور عند تشكيل اي حكومة حيث يحاول كل طرف حصد أكبر كم من المكاسب، لكن عند التشكيل سيحتكم الرئيس ميقاتي الى ما يراه مناسباً لخير البلد بحيث يضع الأسماء بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
وقال مسؤول في فريق الرئيس ميقاتي ان «الاتصالات مستمرة مع جميع الأطراف وهي لا تزال في مرحلة البحث في الخطوط العريضة والمبادئ»، مؤكداً أن «شيئاً لم يُحسَم بعد في مسألة توزيع الحقائب والاسماء». وأضاف: «إن شكل الحكومة سيتحدد في ضوء القرار النهائي لقوى 14 اذار بالمشاركة أو عدمها، فإذا قررت المشاركة، نتجه الى حكومة موسعة من 30 وزيرا، وإلا فالمرجّح تشكيل حكومة تضم وسطيين وممثلين للأكثرية الجديدة او حكومة تكنوقراط او سياسية مطعمة بتكنوقراط».
وأقرّ المسؤول في فريق ميقاتي بأن «ملف المحكمة الخاصة بلبنان من المواضيع المطروحة»، مشيراً إلى أن «رئيس الحكومة المكلف ليس في وارد اعطاء ضمانات لفريق الرئيس سعد الحريري ولا للفريق الآخر»، موضحاً أن الاجماع حول المحكمة «يتحقق إما من خلال مجلس الوزراء او طاولة الحوار الوطني او البرلمان او اي شكل آخر»، ولافتاً الى أن «لا وقت محدداً لولادة الحكومة»، ومشيرا الى أن «الاتصالات لتشكيل الحكومة لم تتعدَّ الايام، بينما الحكومات في لبنان يستغرق تشكيلها أحياناً أشهراً عدة».
وسط هذه الأجواء نقل سياسيون عائدون من عواصم أوروبية، بحسب «وكالة الانباء المركزية» معلومات استقوها من مسؤولين أوروبيين تُشير الى ان القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيصدر خلال الشهر الجاري او مطلع الشهر المقبل على أبعد تقدير مؤكدين ان صدوره سيحدث زلزالاً على الساحة اللبنانية، من دون أن يشيروا الى مضمونه.
ولفتوا الى ان المدعي العام الدولي دانيال بلمار ضمن قراره كماً من الأدلة الدامغة غير قابلة للنقاش ستسقط كل الاعتبارات السياسية الداخلية التي بنيت تارة على اتهام طرف سياسي وتارة على تبرئته، خصوصاً ان المتهمين او المبرئين لا يتمتعون بأي صفة تخولهم توجيه التهم او التبرئة. وتبعاً لذلك أشار زوار أوروبا الى ان نصائح غربية وصلت الى الرئيس ميقاتي بوجوب التمهل في التشكيل الى ما بعد صدور القرار الظني لاعتبارين: الأول تنفيس الاحتقان في الشارع السني الغاضب بحيث تؤلف الحكومة في أجواء هادئة والثاني معرفة مضمون القرار وتداعياته في الداخل بحيث تؤلف الحكومة الجديدة في ضوء ما قد يفرزه المشهد السياسي الجديد.
وأكد هؤلاء ان اتصالات متسارعة تتم بعيداً عن الأضواء مع القيادات السياسية في كل من سورية ولبنان لاحتواء تداعيات القرار على الساحة اللبنانية الداخلية، مشيرة الى أن جلسة المحكمة غداً الاثنين، وعلى رغم طابعها التقني غير انها تشكل محطة بارزة في سياق تحديد وجهة سير القرار، ذلك انه في ضوء التوضيحات التي تقدمها محكمة الاستئناف الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين تتبلور الصورة فإما أن يقبل فرانسين القرار ويعلنه واما يرفضه لعدم تطابقه مع ما حصل عليه من أجوبة في شأن تفاصيل الجريمة الإرهابية، وما بين الخيارين فإنه قد يطلب المزيد من الاستيضاحات في نقاط محددة وبالتالي المزيد من الوقت.
وفي ظلّ هذا المناخ، اعرب رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون عن اعتقاده ان «التغيير الحاصل في لبنان جذري»، معلناً «كانت التجربة الماضية قاسية على اللبنانيين، فـ (الرئيس سعد) الحريري هو احد اركان مجموعة شهود الزور، وبالتالي القضية اصبحت خطرة جداً، حيث ان ولي الدم هو احد شهود الزور ويجب استجوابه واستجواب شهود الزور كافة».
وقال في حديث الى التلفزيون الروسي: «نؤمن بأن مكافحة الفساد يجب ان تبدأ من الرأس الى القاعدة، ويجب ان تكون هناك محاسبة عامة حول كيفية ادارة المال العام، اضافة الى محاسبة جذرية للديون، وهذا يرتب علينا ايجاد استراتيجية للخروج من الدين... لدينا حقول غاز، وبالتالي يجب استخراج النفط والموارد الطبيعية من ماء ونفط، وهذا يسمح لنا بتحقيق فائض لمعالجة الدين». واعلن رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «معالم المرحلة المقبلة بدأت ترتسم الآن وفق ما يبدو بالنسبة لفريق «8 اذار»، مشيراً إلى أن «نظرة هذا الفريق تختلف عن نظرة رئيس الحكومة المكلف والرئيس سليمان وتتمثل بأن تكون الحكومة من لونهم».
واعتبر أن «حكومة اللون الواحد هي حكومة سورية وحزب الله في لبنان»، موضحاً أنه «لا يعرف إلى أي مدى يمكن لميقاتي وسليمان السير في أمر كهذا»، آملاً من رئيس الجمهورية «ألا يوقع على مراسيم الحكومة إلا إذا عبّرت بالحد الأدنى عن القوى الموجودة على الساحة اللبنانية».
وعن بروز عون في الواجهة، رد: «حزب الله أذكى من العماد عون، فهو يقول الأشياء المحترمة والأمور الأخرى يتركها لعون والآخرين». اما الوزير السابق وئام وهاب فردّ على الكلام عن رغبة رئيس الجمهورية بإشراك الجميع في الحكومة، قائلاً: «فليفعل يلّي بدو ياه وليُدخلهم هو في الحكومة، فرئيس الجمهورية ما عندو شيء، وفي النهاية سيوقّع على تأليف الحكومة إذ لا يستطيع إلا أن يقوم بذلك، لأن عليه أن يحترم الأكثرية كما كان يقول، واليوم أصبحت هناك أكثرية جديدة». واكد انه «إذا لم يقم الرئيس نجيب ميقاتي بتغيير فعلي، فبعد شهرين نقول له «يعطيك العافية»، وما أتمناه وبكل محبة أن يأخذ سعد الحريري فرصة 4 أشهر ويراجع كل شيء ويراجع أخطاءه وفريق عمله، وينطلق انطلاقة جديدة، واذا لم يتم هذا الامر فإنني لا ارى سعد الحريري في البلد في وقت قريب».
|