السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٥, ٢٠١١
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
مصر
"الأخوان" بعبع الغرب والعدو اللدود للنظام يستعدون لدور سياسي في "مصر الجديدة"

من واشنطن الى لندن، ومن روما الى دول الخليج، أثارت الانتفاضة المصرية مخاوف من احتمال لجوء جماعة "الاخوان المسلمين"، كبرى جماعات المعارضة المصرية، الى ملء أي فراغ  في السلطة في ظل الانهيار المتوقع لنظام الرئيس حسني مبارك، ورأى البعض مصر ماضية في الطريق الذي سلكته ايران عام 1979. وبدت اسرائيل كذلك مربكة حيال وصول محتمل للاسلاميين الى السلطة، وحذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من ان أي حكومة مقبلة يجب أن تحافظ على معاهدة السلام بين البلدين. ولم تزعج النظام المصري المحاصر مثل هذه المخاوف، لا بل حاول تعزيزها، مستعيناً مرة جديدة بهذا "البعبع" الذي لوح به 30 سنة للحفاظ على موقعه، مع تحذير الرئيس حسني مبارك مساء الخميس من أنه إذا استقال سيحكم "الاخوان" وتعم الفوضى، في ما بدا محاولة جديدة لوقف الضغوط الغربية عليه للتنحي.


لا شك في أن موجة الاحتجاجات الشعبية المستمرة في مصر جعلت "الاخوان" "قاب قوسين" من حلم قديم، بانتزاعهم اعترافاً بدور سياسي في احدى أهم الدول الحليفة لأميركا في المنطقة.فبعدما اعتبروا عقوداً "العدو اللدود" للنظام وقمعوا وسجنوا وعذبوا، دعاهم نائب الرئيس اللواء عمر سليمان علناً الى التفاوض على مستقبل البلاد والانتقال الى الديموقراطية، وبدأت واشنطن تقر بحذر بدورهم مستقبلاً، وإن يكن ليس معروفاً بعد التحدي الحقيقي الذي سيمثله مثل هذا الدور لاميركا واسرائيل والمصالح الاميركية عموماً في الشرق الاوسط.


على الارض، لم يركب "الاخوان"  الصفوف الامامية للموجة الشعبية الا أخيراً، مطالبين بتنحي مبارك وبحكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الجماعات، علماً أنهم كبرى الجماعات المعارضة المشاركة في الاحتجاجات.


فمع تفجر الغضب الشعبي في شوارع القاهرة والاسكندرية والسويس في 25 كانون الثاني الماضي، بدا واضحاً أن الاحتجاج يركز خصوصاً على الفقر والقمع والفساد الذي أنهك المجتمع المصري طوال عقود من حكم مبارك. وقد اتسم التحرك منذ البداية بعفويته، وظهر أنه لا يستند الى أي مسار محدد سلفاً، وهو ما شكل  نقطة ضعف كما نقطة قوة للتحرك في آن واحد. أما الغائب الاكبر عن الساحات الهادرة فكان "الاسلام هو الحل"، الشعار القديم لـ"الاخوان" والشعارات الاسلامية الاخرى. وعلى رغم اعلان الجماعة دعمها محمد البرادعي زعيماً رمزياً للانتفاضة، بقيت في الايام الاولى في الصفوف الخلفية للاحتجاجات التي تقدمها الشباب الثائر، ولم تسم لاحقاً زعيماً لتوجيه الاحتجاجات الشعبية في الشارع، ولا  ممثلاً للتفاوض مع نظام مبارك.


وأثار الحضور الخافت لـ"الاخوان" في الايام الاولى للانتفاضة تساؤلات كثيرة، وتفاوتت التفسيرات له، بين خوف الجماعة من أن يسعى الشباب المصري الذي انتفض لمطالبه الاجتماعية خصوصاً، ونجح في فترة قصيرة في تحقيق ما عجزت هي عن تحقيقه طوال 90 سنة، الى تجنبها اذا نجحوا في التحول قوة سياسية، وسعيها الى حرمان الزعماء الغربيين أية حجة لدعم  تحذيراتهم من ثورة اسلامية أخرى. الى ذلك، يعتقد أن المعارضة المصرية المؤلفة خصوصاً من شباب غير ايديولوجي وأفراد الطبقة الوسطى والعمال و"الاخوان" حاولت قطع الطريق على الجيش، الذي لا يكن وداً للاسلاميين، لشن عمليات قمع واسع للاحتجاجات.

هم
تعتبر جماعة "الاخوان المسلمين" التي أسسها معلم المدرسة حسن البنا في مدينة الاسماعيلية في السويس عام 1928 الحركة الاسلامية الاقدم والكبرى في العالم، مع أتباع لها في كل الدول الاسلامية تقريباً وأنصار في أوروبا والولايات المتحدة. تأسست أصلاً لنشر القيم الاسلامية والاعمال الخيرية، الا أنها سرعان ما انخرطت في العمل السياسي، وخصوصاً في النضال ضد الاستعمار البريطاني  لمصر ومن أجل تحريرها من كل النفوذ الغربي، فصارت واحدة من أولى وأهم الحركات التي تتبنى الاسلام برنامجاً سياسياً في سياق حديث. ومع أنها محظورة وتواجه عمليات قمع مستمرة من النظام المصري، فهي تشكل كبرى الحركات المعارضة للحزب الديموقراطي الوطني الحاكم في مصر منذ 1981، وإن يكن يصعب تحديد حجمها الفعلي.


تقول الجماعة إنها تؤيد المبادئ الديموقراطية، وهي تضم بين أعضائها اصلاحيين عملانيين كما منظرين متطرفين، ويشكل قيام دولة اسلامية احد أهدافها المعلنة، وهو ما يلخصه شعارها "الاسلام هو الحل". ولا شك في أن المناقشات التي تتناول انتقال السلطة في كواليس العواصم الغربية، تأخذ في الاعتبار هذين التيارين داخل الجماعة، وتتساءل عن أي منهما سيضطلع بالدور في "مصر الجديدة".


بعدما أطلق البنا جماعته، فُتحت فروع لها في أنحاء البلاد تولت ادارة مساجد ومدارس ونواد رياضية، فاتسعت شعبيتها سريعاً.وبحلول منتصف الاربعينات من القرن الماضي، يعتقد أنه صار لـ"الاخوان" مليونا منتسب في مصر، وانتشرت أفكارها حول العالم. في غضون ذلك، أنشأ البنا جناحاً شبه عسكري لـ"الاخوان"، وقد انضم أفراده الى القتال ضد الحكم البريطاني وأطلق حملة تفجيرات واغتيالات. ومع أن الجماعة تشدد حالياً على أنها ملتزمة تطبيق سياساتها بوسائل سلمية ديموقراطية، لفتت العالمة السياسية كاري روسفسكي ويكهام  في كتابها "حشد الاسلام" الصادر عام 2002، الى أن البنا تحدث عن الجهاد كنضال ضد الاستعمار والصهيونية، وقد ركز غربيون في السنوات الاخيرة على أقوال له لدعم نظريتهم أن "الاخوان" يشكلون تهديداً أصولياً. ومنذ الستينات من القرن الماضي، اعتبر المفكر البارز في "الاخوان" سيد قطب من أوائل منظري فكر السلفية الجهادية، والمرشد الروحي لزعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن ورجل الدين الراديكالي المولود في أميركا  والمختبئ حالياً في اليمن أنور العولقي.ولكن مع وفاته،  اتخذت الجماعة اتجاهاً آخر، وبدأ تنظيم "القاعدة" ينظر اليها بازدراء.

الحظر 
منذ نشأتها، تواجهت الجماعة أكثر من مرة مع الحكومة المصرية التي منعتها من العمل السياسي، بحجة أن الدستور المصري يحظر الاحزاب الدينية. فبعد محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، حظرت الحكومة الجماعة متهمة اياها بالعملية الفاشلة، وسجنت آلافاً من افرادها، الا أنها واصلت عملها سراً. وعام 1965، شنت الحكومة حملة جديدة عليها وأعدمت سيد قطب عام 1966 فجعلته شهيداً في المنطقة كلها.


في أيام الرئيس أنور السادات في السبعينات من القرن الماضي، تراجعت حدة المضايقات لـ"الاخوان". ولئن بقيت الجماعة محظورة، عرفت تحولاً تاريخياً عام 1984 بمشاركة زعمائها في الانتخابات النيابية الى جانب حزب الوفد. ومذذاك، باتت الجماعة تتعرض لـ"هبة ساخنة وهبة باردة" في الحياة السياسية في مصر. وعام 2000، تمكن أعضاء منها خاضوا الانتخابات مستقلين من الحصول على 17 مقعداً ليصيروا أكبر تكتل معارض في البرلمان.وبعد ذلك بخمس سنوات، فاجأ "الاخوان"  الحزب الحاكم بفوزهم  مع مرشحين مستقلين تحالفوا معهم ب20 في المئة من المقاعد، في أفضل نتيجة انتخابية لهم، الامر الذي دفع السلطات الى شن حملة عليهم، فاعتقلت مئات منهم وأقرت سلسلة من "الاصلاحات" القانونية لاحتواء صعودهم.


وفي تشرين الثاني من العام الماضي، جهد الحزب الديموقراطي الوطني الحاكم لتقليص احتمالات تحقيق  الجماعة مكاسب انتخابية جديدة، الا أن الجهود ارتدت عليه سلباً مع انسحاب "الاخوان" الذين كانوا يحتلون 88 مقعداً في المجلس السابق، من الدورة الثانية التي أجريت في الخامس من كانون الاول، بعدما عجزوا عن ايصال اي مرشح في الدورة الاولى، وسط موجة اتهامات للحزب الحاكم بالتزوير.


وفي غياب اي استطلاع منهجي في مصر، لا يمكن تحديد الشعبية التي تتمتع بها الجماعة، وإن يكن مؤكداً أن لديها شبكة منظمة من الملتزمين، وتتمتع بتأييد شعبي نتيجة الاعمال الخيرية التي يقوم بها أعضاؤها، فضلاً عن تأثير في النقابات المهنية مثل نقابة الاطباء ونقابة المحامين.

نيات متناقضة
في السياسة تعتمد الجماعة تناقضاً متعمداً من حيث نياتها، فهي تقول مثلاً إنها تعارض معاهدة السلام بين مصر واسرائيل وتدعم المقاومة المسلحة ضد الدولة العبرية، الا أنها تضيف أنها لن تسعى الى نقض المعاهدة ما دام البرلمان المصري صادق عليها في حينه. ولئن كانت تتمسك بهدفها اقامة دولة اسلامية في مصر، فإنها تقول إنها لن ترغم النساء على وضع الحجاب في الشارع. وأما مواقفها من حقوق متساوية لاقباط مصر مع المسلمين ودور المرأة في المجتمع فليست واضحة تماماً. لقد اظهرت الايام العشرة من الانتفاضة المصرية بعضاً من قوة "الاخوان" والدعم الشعبي لهم. وفي رأي الخبير في الجماعات الاسلامية عمار علي حسن أنه في اجواء الحرية التي شهدتها مصر الاسبوع الماضي، ظهر الاخوان على حقيقتهم بعيداً من صورة التهديد الذي كان يحاول النظام اعطاؤها لهم".
موناليزا فريحة



 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة