السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٥, ٢٠١١
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
مصر
جمعة التظاهرات فرض إعداد صيغ لرحيل مبارك

القاهرة – من جمال فهمي:
واشنطن - من هشام ملحم:


تعرض الرئيس المصري حسني مبارك امس لمزيج من الضغوط لحمله على التنحي بعدما أمضى 30 سنة في الحكم، إذ نزل مئات الآلاف من المصريين في القاهرة والمدن الرئيسية في "جمعة الرحيل" وهم يهتفون بصوت واحد "إرحل إرحل إرحل". وأعطى هذا الوضع الميداني الذي لا يصب في مصلحة مبارك، زخما لبدء البحث في الصيغ التي تؤمن تنازله عن السلطة من أجل البدء بالاصلاحات الدستورية التي يطالب بها المحتجون في ميدان التحرير بوسط القاهرة. وفي الوقت عينه كان الرئيس الاميركي باراك أوباما يؤكد أن مناقشات بدأت لتأمين صيغ لانتقال السلطة سلميا وبشكل منظم في مصر.


وكرر المتظاهرون أمس بحرقة وحماسة الهتافات عينها، التي ظلوا يشقون بها حناجرهم يوميا منذ تفجرت ثورتهم في الخامس والعشرين من الشهر الماضي واشهرها "ارحل بقى وارحمنا ياعم... ارحل وخلي عندك دم".


وانعكست خسارة مبارك آخر معاركه وأوراقه على الوضع السياسي، فشهد يوم أمس زحاما ملحوظا للصيغ والافكار و"التخريجات" التي أخذ أطراف عدة في الداخل والخارج (وخصوصا واشنطن) يجتهدون في اجتراحها لإقناع الرئيس المصري بالرحيل.


أبرز الاجتهادات تطوع بها فريق من شخصيات مصرية معظمها قريب من نظام مبارك، وبعضها عمل في حكوماته سنوات طويلة، ألفوا في ما بينهم جماعة سموها "لجنة الحكماء" وهي تضم الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الاعلام سابقا الدكتور أحمد كمال ابو المجد ووزير الاسكان سابقا حسب الله الكفراوي ، إلى الملياردير نجيب ساويرس. وقد التقى هؤلاء مدير المخابرات العامة السابق نائب الرئيس الحالي اللواء عمر سليمان حاملين "عرضا" طلبوا منه نقله الى الرئيس مبارك خلاصته ان يسارع الأخير الى اعلان تفويض صلاحياته كاملة ونقلها الى سليمان بموجب البند 139 من الدستور، بحيث يبقى رئيسا رمزيا إلى أن يحل موعد انتهاء ولايته في ايلول.
واستنادا الى أعضاء في الوفد الذي التقى سليمان، وعدهم نائب الرئيس  بنقل اقتراحهم الى مبارك وابلاغهم رده "خلال ساعات".


غير ان مصادر واسعة الاطلاع قالت لـ"النهار" ان "صيغة" أكثر أهمية وخطورة تتعلق بمصير مبارك بدأت تتبلور ويزداد الحاحها بشدة على قيادة المؤسسة العسكرية التي تكابد منذ أسبوع كامل ضغوطا هائلة بسبب اضطراب الوضع في البلاد وانفلاته وانتشار وحدات الجيش في الشوارع في مواجهة ملايين المحتجين. وتتلخص هذه "الصيغة" التي أكدت المصادر أنه تم فعلا إبلاغها الى الرئيس، في عبارة واحدة هي "اعلان تنحيه النهائي عن السلطة" وتسليمها الى لجنة رئاسية جماعية إعمالا لمادة في الدستور تفرض على رئيس الجمهورية في "الظروف الاستثنائية" ان يتنازل عن صلاحياته لهذه اللجنة.

أوباما
وفي واشنطن، قال الرئيس الاميركي باراك اوباما انه اجرى اتصالين هاتفيين بالرئيس المصري حسني مبارك منذ بدء الازمة المصرية، وانه اكد في كل مرة "حقيقة كون مستقبل مصر هو في أيدي المصريين وهذا أمر لا نقرره نحن". لكنه اضاف انه ابلغ مبارك انه في ضوء ما حدث خلال الاسبوعين الأخيرين "فان العودة الى الاساليب القديمة لم يعد مجديا. القمع لم يعد مجديا. وممارسة العنف لم تعد مجدية. ومحاولة وقف تدفق المعلومات لم يعد مجديا".
وكان اوباما قد اتصل بمبارك الثلثاء الماضي بعد خطاب الرئيس المصري، لكنه لم يكشف متى أجرى الاتصال الثاني.


وشدد اوباما خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر على ان ضمان مستقبل باهر لمصر والشيء الوحيد الذي يمكن ان ينجح الان "هو التحرك في اتجاه النقل المنظم للسلطة، الذي يجب ان يبدأ الان وان يشارك فيه جميع الاطراف وان يؤدي الى الممارسات الديموقراطية، والى انتخابات نزيهة وحرة وحكومة تمثيلية تلبي المطالب المحقة للشعب المصري". وامل ان يتخذ الرئيس المصري في نهاية المطاف "القرار الصحيح"، وان يقبل بنقل سلطاته بشكل سلمي ومنظم، من غير ان يوضح ما يعنيه بذلك. كما ندد بقوة باستخدام العنف ضد الصحافيين والناشطين في مجال حقوق الانسان وضد المتظاهرين واصفا ذلك بأنه غير مقبول. ولم يتطرق الى ما أوردته صحيفة "النيويورك تايمس" عن وجود اتصالات بين المسؤولين في واشنطن والقاهرة في شأن مقترحات لنقل السلطات، وإن يكن اشار الى استمرار الاتصالات بين الطرفين.


ومع ان اوباما تحدث بحزم عن ضرورة البدء الفوري بعملية نقل السلطات، الا انه توقف عن مطالبة مبارك مباشرة بالتنحي عن السلطة، من غير أن يترك اي مجال لاساءة فهم موقفه. وفي هذا السياق، أشار الى ان مبارك هو رجل "فخور بنفسه ووطني"، لكنه عاد وكرر موقفه السياسي قائلا: "لقد قلت له ان عليه ان يتشاور مع المحيطين به في الحكومة، وعليه ان يستمع الى ما يقوله الشعب المصري، وان يتخذ موقفه من الطريق الى الامام (أي نقل السلطات) والذي يجب ان يكون منظما وجديا وذا معنى". وبعدما ذكّر بأن مبارك قال انه لن يرشح نفسه لولاية جديدة وانه موجود في السلطة "منذ زمن طويل"، اضاف انه بعد هذا القرار النفسي من مبارك، عليه الان "ان يسأل نفسه، كما على الحكومة المصرية ان تسأل نفسها، كما على المعارضة ان تسأل نفسها: كيف يمكن ان نطبق هذا الانتقال بشكل فعال وثابت وشرعي؟".


وكرر اوباما ان التغيير في مصر هو قرار مصري وأن لا الولايات المتحدة ولا غيرها يمكن ان تقرر ذلك، لكنه قال: "ما يمكننا أن نفعله هو ان نؤكد مجموعة من المبادئ الجوهرية التي ستكون في صلب العملية الانتقالية". وشدد في هذا السياق على ان حكومته لن تقبل بأي اجراءات سطحية او تضليلية،"واذا انتهينا الى مجرد اشارات في اتجاه المعارضة تؤدي الى استمرار قمع المعارضة، فان ذلك لن يكون مجديا، واذا كانت هناك محاولات غير جدية للاصلاح، ولكن من دون اصلاح حقيقي، فان ذلك لن يكون فعالا". ورأى انه بعدما قرر مبارك عدم ترشيح نفسه، "السؤال الاساسي الذي يجب ان يطرحه على نفسه هو كيف يمكن ان اترك ورائي تركة تسمح لمصر ان تعبر هذه الفترة الانتقالية، وأملي هو انه سوف ينتهي الى اتخاذ القرار الصحيح".


واستهل أوباما كلمته عن مصر بتنديد شديد اللهجة بأعمال العنف التي استهدفت المتظاهرين والصحافيين وقال ان ذلك يشكل انتهاكا لحقوق الانسان والقيم والاعراف الدولية، "ولذلك فاننا نبعث برسالة قوية ولا لبس فيها: الهجمات على الصحافيين غير مقبولة، الهجمات على الناشطين في مجال حقوق الانسان غير مقبولة، والهجمات على المتظاهرين غير مقبولة". وقال ان الحكومة المصرية
مسؤولة عن حماية حقوق شعبها، كما ان مسؤولية المتظاهرين هي ان يتظاهروا سلميا، "ولكن على الجميع ان يدركوا حقيقة بسيطة هي ان القضايا المطروحة في مصر لن تحل من طريق العنف والقمع، ونحن متشجعون بضبط النفس الذي شهدناه اليوم، ونأمل ان يستمر"، في اشارة الى غياب العنف عن تظاهرات الجمعة.


وقال أيضا إن "مستقبل مصر سوف يقرره شعبها. وما هو واضح ايضا هو ان ثمة حاجة الى عملية انتقال يجب ان تبدأ الان. وهذه المرحلة الانتقالية يجب ان تبدأ بعملية تحترم الحقوق الدولية للشعب المصري وان تؤدي الى انتخابات حرة ونزيهة". واضاف ان تفاصيل هذه العملية الانتقالية يجب ان يقررها المصريون... وفهمي هو ان بعض المناقشات قد بدأ. لكننا نقوم بالتشاور على نطاق واسع داخل مصر ومع المجتمع الدولي كي نشرح ايماننا القوي بان النقل المنظم والناجح يجب ان يكون ذا مغزى. والمفاوضات يجب ان تشمل تمثيلا واسعا للمعارضة المصرية، وهذا الانتقال يجب ان يعالج المطالب المشروعة لاولئك الذين يسعون الى مستقبل افضل".


وختم: "نريد ان نرى لحظة الاضطرابات هذه وهي تتحول لحظة فرصة. العالم كله يراقب. وما نأمل فيه، وما سنعمل له هو مستقبل يغتنم فيه المجتمع المصري كله هذه الفرصة. في هذا الوقت نرى ان حضارة عظيمة وقديمة تمر في زمن مضطرب ومتحول. وعلى رغم وجود تحديات خطيرة وانعدام يقين كبير، إلا انني واثق من ان الشعب المصري يمكن ان يخلق لنفسه المستقبل الذي يستحقه. وخلال قيامهم بذلك سيجدون في الولايات المتحدة صديقا وشريكا قويا".


الى ذلك، صرح الناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" جيف موريل بأن وزير الدفاع روبرت غيتس تحادث هاتفيا مع نظيره المصري المشير حسين طنطاوي، للمرة الرابعة منذ بدء الاحتجاجات في مصر.

"النيويورك تايمس"
وكانت "النيويورك تايمس" (ي ب أ) نشرت في وقت متقدم الخميس، ان المسؤولين الاميركيين يناقشون مع المصريين اقتراحا يقضي باستقالة الرئيس المصري فورا وتسليم السلطة الى حكومة انتقالية برئاسة سليمان تحظى بدعم الجيش.


ونسبت الى مسؤولين عرب ومسؤولين في الادارة الاميركية، أنه على رغم ان مبارك يرفض حتى الآن التنحي، إلا أن الحكومتين الاميركية والمصرية مستمرتان في الحديث عن خطة يبدأ بموجبها سليمان مدعوما من رئيس الاركان الفريق سامي عنان وطنطاوي فورا بعملية اصلاح دستوري.


وقال المسؤولون ان الخطة تدعو الى تأليف حكومة انتقالية تشمل مجموعة واسعة من ممثلي المعارضة بما فيها "الاخوان المسلمون" من أجل العمل لجعل النظام الانتخابي أكثر انفتاحا لاجراء انتخابات حرة ونزيهة في ايلول. وأوضحوا ان الاقتراح هو واحد من خيارات عدة تجري مناقشتها مع مسؤولين رفيعي المستوى يحيطون بمبارك لاقناع الرئيس بالتنحي، على رغم ان بعض المسؤولين قال ان لا اشارات حتى الآن الى ان سليمان والجيش على استعداد للتخلي عن مبارك.


ويقول المسؤولون الاميركيون والمصريون ان الادارة الاميركية بدأت تطالب برحيل مبارك في المحادثات الخاصة، إلا أنه لا يزال مصمما على البقاء في منصبه حتى ايلول.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول مصري ان ما يطلبه الاميركيون "لا يمكن القيام به"، لانه بموجب الدستور يخلف رئيس مجلس الشعب رئيس الجمهورية، أما الجواب السياسي فهو أنه "يجب ألا يتدخلوا في شؤون غيرهم".


الى ذلك (و ص ف) تبنى مجلس الشيوخ الاميركي ليل الخميس بالاجماع قرارا ذا رمزية معينة يحض الرئيس المصري على تأليف حكومة انتقالية ولكن من غير ان يطلب استقالة مبارك.
وقبل التصويت، قال السناتور جون كيري احد اللذين وضعا النص ان القرار غير الملزم يبقى غامضا عمدا حول الدور الذي يمكن ان يضطلع به مبارك في هذه الحكومة المقبلة. وأضاف: "ويمكن ان يشارك فيها أو لا. كل شيء يتوقف على ما يتفق عليه المصريون".
وكان السناتور الجمهوري جون ماكين الذي وضع النص ايضا مع كيري قال الاربعاء "إنه أمر مؤسف ولكن حان الوقت كي يستقيل الرئيس مبارك ويترك السلطة".



 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة