الجزائر - عاطف قدادرة
هل يتجه أنصار «التيار السلفي الجهادي» الجزائري إلى بدء مراجعات نشاطاته في «العمل المسلح»؟ على الأقل تشير خطوات خفية إلى وجود مسعى في هذا الشأن، وربما تكون تجربة «الجماعة الليبية المقاتلة» التجربة «المغاربية» الأقرب الى الجزائر. وتوقع مراقبون أن تكون خطوة كهذه، في حال تحققت، نقطة النهاية لسنوات الإرهاب.
وتحدثت مصادر قضائية جزائرية عن وجود مساع لمراجعة الاتجاه، يقودها ناشطون في السجون الجزائرية، ويُعتقد أن عدداً من سجناء «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الذين كانوا النواة الأولى قبل الانحراف الشامل لـ «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، توصلوا إلى ضرورة بدء خطوات في هذا الاتجاه إثر اتصالات مع الأمير السابق لـ «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» حسان حطاب. وتفيد معلومات عن حركة في هذا الاتجاه يتم إعدادها في بعض سجون العاصمة والبويرة والبرواقية، حيث يُعتقل أشهر موقوفي «السلفية الجهادية».
وذكرت مراجع جزائرية أن عدد الموقعين على عريضة «المراجعة»، الذي يجري إعدادها، بلغ 24 سلفياً، وأن هؤلاء اعتبروا أن «الأعمال، التي كانت تنفذ باسم الدين، نزع منها غطاء الشرعية بعد التدبر في كلام أهل العلم واستخارة الله في هذا الموقف». ويقول السجناء: «نحن نسأل الله أن يجعل هذا الكلام في ميزان حسناتنا، وإننا لا نبتغي غير مرضاة الله، وإن أسخطنا رفقاء الأمس». ويستغفر أصحاب المبادرة الله و «يتوبون إليه عما اقترفته أيديهم، وإنهم اليوم لم يدفعهم إلى التوبة والرجوع إلى جادة الحق والصواب طمع في مال أو منصب أو جاه، بل الطمع في مغفرة الله والإنابة إليه وعفو المظلومين من أبناء الشعب الذي قهرته ويلات استباحة دمائه وأمواله وأعراضه باسم الدين».
وتبدو الظروف الحالية، التي أعلن فيها جزئياً عن المبادرة، مواتية لأصحاب «المبادرات» وهي الأولى في سجون جزائرية. ويشهد «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تقلصاً في نشاطه، وتزداد الشكوك في مصير زعيمه «أبو مصعب عبد الودود» الذي لم يظهر في تسجيلات مصورة منذ نحو عام. وكانت مراجعات «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا نموذجاً أثار اهتمام ناشطي التيار السلفي الجزائري بسبب بعض التقاطع بين التنظيمات المسلحة في ليبيا والجزائر، ما يمكن أن يترك تأثيراً على «حلقات متشددة» في تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
وربما باشرت أجهزة جزائرية وليبية، ضمن لجنة مختلطة، حملة تستهدف إبلاغ ما جرى في الجماعة الليبية المقاتلة، إلى ليبيي «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ويتوقع وفقاً لأنباء أن يستجيب «العنصر الليبي» لنداء «المقاتلة» بعد عودة إرهابيين اثنين «طوعاً» إلى طرابلس استجابة لدعوات من قياديين في «المقاتلة».
وفي العامين الماضيين ظهر جيل جديد من الإرهابيين الذين تركوا السلاح، لكنهم أكثر استعداداً للإسهام فكرياً في إعادة الأمور إلى نصابها، على عكس الجيل الأول من التائبين، الذي تبنى فكراً مسلحاً يقول إن مرجعيته سياسية تعود إلى المسار الانتخابي الأول في الجزائر. وهنا تُمكن ملاحظة الفارق بين مدني مزراق مثلاً وحسان حطاب، فالأول بقي متمرساً لفكره السياسي وطالب بتأسيس حزب لأنصاره، أما الثاني فتفرغ لبيانات تدعو للتمسك بالمصالحة، وربما الفارق، أن الجيل الثاني أكثر تشبعاً بفكرة أن الإرهاب في الجزائر لا يوجد ما يغذيه من المبررات، لذلك جاءت الخطوات متتالية في سبيل تحقيق تكتل يقود مهمة الوساطات وإخراج المجموعة «اللينة» من التنظيم الإرهابي إلى أهلها، ثم ترك المجموعة الصلبة لتواجه في أطر مكافحة الإرهاب العادية.
والواضح أن «المراجعات» الجزائرية المرتقبة لن تنجح، إلا إذا حققت إجماعاً من أهل الدين، ولعل هذا أيضاً قد تحقق بفعل كلام من عشرات رجال العلم والدين الذين زاروا الجزائر طيلة العام الماضي، ولا أحد ينكر ما قاله العلماء وتأكيدهم أن «الخوارج» من يقود حالياً النشاط الإرهابي في الجزائر من دون سند شرعي أو فقهي ولا حتى سياسي. وتمثل المراجعات اختراقاً جغرافياً بعدما تمركزت المراجعات الجهادية سابقاً في مصر، من خلال مراجعات جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وهي تنتقل اليوم إلى المغرب العربي.
|