الخميس, 03 فبراير 2011
القاهرة - أحمد رحيم
يقف رجل أربعيني عند حاجز للجيش بجوار مسجد عمر مكرم المطل على ميدان التحرير يصرخ مطالباً المحتجين بفض اعتصامهم. يتجمع حوله مجموعة من الشباب بعضهم كاد أن يبطش به قبل أن تأتي مجموعة من جنود القوات المسلحة لتخليصه والطلب منه الانصراف لئلا يتحول الأمر إلى اشتباكات كادت أن تندلع عند أكثر من حاجز بعد خطاب الرئيس حسني مبارك مساء أول من أمس الذي قال كثيرون من المصريين إنه «حرّك مشاعرهم».
تأتي مجموعة من الشباب وتطلب من جنود الجيش ترك الرجل يعبّر عن رأيه مع تعهد بعدم التعرض له بأذى. إنهم، كما قالوا، يريدون فقط محاورته. كانت وجهة نظر الرجل أن الرئيس «حقق مطالب الجماهير» عندما أعلن، ليل أول من أمس، أنه لن يترشح للرئاسة مجدداً وسيدعو البرلمان إلى تعديل الدستور لرفع القيود أمام حق الترشيح لهذا المنصب وسيقود فقط فترة انتقالية و «من ثم فليست هناك مبررات لهذا التجمع الذي حوّلنا عاطلين». يتجاذب الطرفان أطراف الحديث حتى ينتهى الحوار وكل طرف متمسك بوجهة نظره.
في ساحة ميداني «التحرير» و «عبدالمنعم رياض» المتقابلين وميادين أخرى ... رابحون وخاسرون بعدما أصبحت موقعاً لتجمع بشري حاشد في حاجة لمختلف الخدمات. وجد فيه بعضهم فرصة لتحقيق الأرباح. إذ تلف ساحات الاحتجاجات طاولات افترشت بأطنان من السندويتشات الجاهزة يشتريها المتظاهرون، لكن اللافت أنها تُباع بأسعار غير مبالغ فيها، على عكس الوضع خارج الميدانين والذي وجد فيه بعض التجار فرصة لزيادة أرباحهم فضـــــاعفوا الأسعار. تجرّ دراجات نارية صناديق تجلب هذه السندويتشات من أماكن إعدادها لتباع جاهزة، فلا وقت لإعدادها في ظل الإقبال الشديد عليها من أكثر من مليون متظاهر احتشدوا في الميادين أول من أمس. أما محلات الكشري القريبة من ميداني التحرير وعبدالمنعم رياض فقد تراصت أمامها صفوف بالآلاف في انتظار وجبة رخيصة تساعد الأسرة على البقاء مدة أطول من دون إحساس بالجوع.
وفي الميادين أيضاً باعة متجولون يبيعون الحلوى والتمر وأطعمة سكرية تمنح «المنهكين» الطاقة. أصحاب محلات السماعات ووحدات الصوت وجدوا بدورهم ضالتهم بعدما أقفلت محالهم في ظل توقف إقامة الأفراح أو حتى المآتم. يقف هؤلاء على مسارح كبيرة نُصبت وبجانبهم معداتهم التي يستأجرونها باليوم لراغبي «ترديد الخطب والشعارات» بعد أن باتت الميادين «كرنفالاً سياسياً» لأصحاب الآراء. وفي المشهد أيضاً سيارات نقل كبيرة تحمل آلاف زجاجات المياه والعصائر المثلجة لبيعها للمتظاهرين الذين جففت الهتافات حناجرهم. وعلى الهامش يُشاهد أصحاب «مهن» مختلفة مثل الرجل الذي يحمل ميزانه لوزن من يريد في مقابل جنيه أو اثنين، أو الأشخاص الذين يقرأون الطالع للمتظاهرين يبشرونهم بـ «نصر قريب» في وقت لا أحد يستطيع أن يستشرف مستقبل مصر. وفي مقابل الرابحون يبكي خاسرون على أوضاع إنهارت من بين هؤلاء العاملين في سلسة المطاعم العالمية التي دُمّرت فروعها في هذه الميادين ومكاتب شركات الطيران التي أغلقت وماكينات الصرافة التي دمرت، و «السيّاس» الذين يتولون تنظيم وقوف السيارات الخاصة في الشوارع الجانبية القريبة منها. كل هؤلاء بانتظار انتهاء التظاهرات حتى تعود الحياة إلى ما كانت عليه.
|