الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٣, ٢٠١١
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
مصر
ميدان التحرير تحوّل ساحة حرب بعد مهاجمة أنصار مبارك المحتجين
سليمان يشترط وقف التظاهرات لبدء الحوار والحكومة ترفض الضغوط

شهدت الانتفاضة الشعبية في مصر منعطفاً جديداً خطيراً أمس،  وتحولت الثورة السلمية التي صارت محط أنظار العالم وشغلت زعماءه،  فوضى عارمة،  وسادها هرج ومرج،  مع اقتحام مئات من مؤيدي الرئيس حسني مبارك،  بعضهم على جياد وجمال ويشهرون سياطاً،  ميدان التحرير ومهاجمتهم المحتجين،  في جولات من العنف والشغب استمرت ساعات ولم يتدخل الجيش الذي توزعت دباباته في الميدان لوقفها.


ودارت الاشتباكات التي سقط فيها ثلاثة قتلى ومئات الجرحى على الاقل،  بعد ساعات قليلة من دعوة الجيش المصري، وهو عماد النظام، المتظاهرين المطالبين برحيل مبارك الى العودة الى بيوتهم، في تحول لافت لموقفه بعد يومين من اقراره بـ"مشروعية" مطالبهم. وجاءت أيضاً غداة اعلان الرئيس المصري حسني مبارك تعهدات لاصلاح دستوري جزئي،وعزمه على عدم  الترشح لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة،  رافضاً الضغوط الدولية عليه لبدء انتقال للسلطة.

عمر سليمان
وأكمل نائب الرئيس المصري اللواء عمر سليمان الهجوم المضاد مساء أمس،  باشتراطه وقف الاحتجاجات قبل أن تبدأ السلطات حواراً مع القوى السياسية والأحزاب المصرية لإنهاء الأزمة في البلاد.
وقال في بيان بثه التلفزيون الرسمي إن"الحوار مع القوى السياسية الذي يضطلع به بناء على تكليف السيد الرئيس يتطلب الامتناع عن التظاهرات، وعودة الشارع المصري الى الحياة الطبيعية،  بما يتيح الأجواء المؤاتية لاستمرار الحوار ونجاحه". وحض المتظاهرين على"العودة إلى مساكنهم، والتزام تعليمات حظر التجول" دعما لما سماه "جهود الدولة من أجل استعادة الهدوء والاستقرار". وأكد "ان المشاركين في هذه التظاهرات قد وصلوا برسالتهم بالفعل، سواء من تظاهر منهم مطالباً بالإصلاح بشتى جوانبه، أم من خرج معبراً عن تأييده للسيد رئيس الجمهورية، ولما جاء في كلمته الى أبناء الشعب مساء الثلثاء".

رفض الدعوات الغربية
وسبق نداء سليمان الى المحتجين رد مصري على حلفاء الامس الغربيين الذين يطالبون مبارك بمزيد من التنازلات من دون الذهاب الى حد المطالبة علنا بتنحيه.
ورفضت الحكومة هذه الدعوات التي تعني عملياً ترك  مبارك الحكم.


وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية حسام زكي بان "الحديث عن مرحلة انتقالية ذات ترتيبات مغايرة لما اوضحه رئيس الجمهورية يتناقض مع الدستور،  بل ينقض على الشرعية الدستورية بشكل واضح" ومن شأنه ان "يضع البلاد في مازق دستوري تاريخي... من المؤسف للغاية ان نجد دولاً اجنبية غربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بل حتى تركيا التي تبحث لنفسها عن اي دور في اي وضع، تدس أنوفها في ما تشهده مصر من تطورات". وأضاف أن هذه "الدول سمحت لنفسها في شكل واضح ولا سابق له بالتحدث باسم الشعب المصري وتبني مطالب قطاعات منه،  وهذا امر مرفوض تماماً من جانب مصر".

ساحة حرب
وبدأت التوترات تظهر مباشرة بعد خطاب مبارك،  إذ دارت مواجهات في الاسكندرية بين مناصري مبارك ومعارضين له،  وخرج مؤيدون للرئيس في القاهرة يحمل بعضهم سكاكين.
وبلغت الاحتجاجات مستوى جديداً بعد ظهر أمس،  وتحول ميدان التحرير ساحة حرب فعلية كانت "الجبهة" فيها أمام متحف القاهرة، فيما اقتصر السلاح على الحجار والقضبان الحديد وبعض الزجاجات الحارقة، فكانت النتيجة مقتل شخص واصابة اكثر من 600 بجروح.


وبدأت الاشتباكات مع وصول مئات من المشاركين في تظاهرة حاشدة مؤيدة للرئيس مبارك ضمت اكثر من 20 الف شخص الى مشارف الميدان من جهة المتحف المصري،  آتين من شارع جامعة الدول العربية في الجيزة. ورشق هؤلاء، الذين ادعى عدد من المحتجين المناهضين لمبارك "انهم من رجال الامن وبلطجية الحزب الوطني الحاكم"، المحتجين بالحجار وقطع الحديد الصغيرة ، قبل أن تنضم اليهم مجموعة ثانية من انصار مبارك يتقدمها راكبو خيول وجمال هاجموا المتظاهرين بالعصي والحجار والسياط. واعتلى بعضهم المباني المطلة على ميدان التحرير والقوا كتلاً حجرية على المتظاهرين في الساحة.


وبعدما تمكن انصار مبارك من اقتحام قسم من ميدان التحرير، شن المحتجون هجوماً مضادا مكنهم من صدهم ودفعهم في اتجاه المتحف وضبطوا منهم ثمانية جياد.عندها تحولت المنطقة من ميدان التحرير المجاورة للمتحف ساحة قتال فعلية تبادل فيها مئات الاشخاص من كل جهة القذف بالحجار وكل ما وصلت اليه ايديهم.
 وتمكن شبان من انتزاع حجار الارصفة بقضبان حديد واستخدموها في المواجهات.


 وسمع اطلاق نار قال التلفزيون الرسمي إن مصدره الجيش  لفض الاشتباكات،  كما اطلقت قنابل غاز مسيل للدموع لم يعرف مصدرها على المتظاهرين المعارضين لمبارك.
ولاحقاً،  نفى الجيش اطلاقه اية رصاصات على المحتجين.وقال في بيان ان بعض قنابل الدخان اطلقت قرب السفارة الاميركية لتفريق الحشود.
وسقطت زجاجتان حارقتان في حديقة المتحف المصري في ميدان التحرير وتمكن رجال الاطفاء بمساعدة افراد من الجيش من اخماد الحريق.

"مش عايزينه"
وفي عز الاشتباكات،  كانت مجموعات من المتظاهرين تهتف "مش عايزينه، مش عايزينه" و"يرحل يرحل يرحل" و"مش حنمشي .. هو يمشي".
وفي المقابل،  رفع مؤيدو مبارك لافتات تقول: "لا لاهانة رمز مصر" و"نعم لرجل الحرب والسلام" و"مبارك في قلوب المصريين .. . سامحنا يا مبارك".ورفعوا أيضاً لافتات مناوئة لابرز وجوه المعارضة محمد البرادعي.


واتهمت لافتات وسائل اعلام عربية ببث دعاية مناهضة لمبارك. وكتب في احداها:"تحيا مصر ويحيا مبارك" و"تسقط الجزيرة وتسقط العربية".
وصب مناصرو مبارك جام غضبهم على صحافيين كانوا يغطون الاحداث،  وعاملوهم بخشونة،  بينهم مراسلو شبكتي "سي أن أن" الاميركية للتلفزيون أندرسون كوبر و"اي بي سي" كريستيان أمانبور وهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي".


وبدا ملفتاً في هذه المواجهات الغياب التام لعناصر الجيش، حتى ان الدبابات المتمركزة على اطراف الميدان ظلت مكانها، فيما تركها الجنود.
وشوهدت سيارات اسعاف تنقل الجرحى تباعاً في مجموعات الى المستشفيات، بينما تولى محتجون نقل جرحى آخرين الى عيادات ميدانية اقيمت في اماكن عدة من الساحة يعمل فيها متطوعون بوسائل اسعاف اولية.


وأفادت مصادر طبية ان ثلاثة مستشفيات استقبلت الجرحى في القاهرة هي القصر العيني والهلال واحمد ماهر. وقالت ان اثنين من المصابين على الاقل في حال الخطر.
وبث التلفزيون الرسمي ان شخصا قتل في ميدان التحرير قال انه مجند .
ولاحقاً،  قالت وزارة الصحة ان عدد الاشخاص الذين جرحوا ارتفع إلى 611، وبثت قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية أنهم أكثر من الف. ونقلت وكالة "رويترز" عن طبيب ميداني ان عدد الجرحى يفوق الـ1500.


وأوضحت الوزارة أن القتيل هو جندي في الجيش توفي إثر سقوطه عن جسر. وأعلنت ليلاً ان عدد القتلى ارتفع الى ثلاثة.
وقال الطبيب العميد المتقاعد في الجيش احمد الملاح وهو يغادر المكان: "لقد قتلوا الحركة الاعتراضية"، لكنه اكد انه سيعود الى الميدان في حال الدعوة الى اية تظاهرة جديدة.
وليلاً، أوردت "وكالة الصحافة الفرنسية" أن الاشتباكات لا تزال متواصلة في ميدان التحرير قرابة الساعة 22:40 بالتوقيت المحلي (20:40 بتوقيت غرينيتش).
واتهمت ثلاث مجموعات احتجاجية رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية باقتحام الميدان "لترويع" المتظاهرين.


وجاء في بيان لـ"حركة 6 ابريل" وحركة "كفاية" وتيار التجديد الاشتراكي ان "عناصر من الامن بملابس مدنية وعددا من البلطجية اقتحموا ميدان التحرير وقاموا بترويع المتظاهرين بهدف اظهار ان الشعب المصري منقسم". ودعا "أصحاب الضمائر الحية في العالم الى حماية الثورة المصرية".

البرادعي و"الاخوان"
وناشد البرادعي في تصريحات لقناة "الجزيرة" الفضائية القطرية الجيش المصري التدخل لحماية "ارواح المصريين" وعدم الوقوف على الحياد، معتبراً أن ما حصل في ميدان التحرير "جريمة في حق مصر من نظام فقد شرعيته"، و"ما يحدث الان هو مواجهة بين 85 مليون شخص يريدون الحرية وديكتاتور يود البقاء في الحكم".
وكان البرادعي، وهو الاكثر تمثيلاً للشباب الذي اطلق الانتفاضة المصرية، رد ليل الثلثاء - الاربعاء على خطاب الرئيس المصري بأنه "حيلة". واتهمه بانه "يحاول أن يطيل فترة عدم الاستقرار في مصر وعليه أن يستقيل".


وعلنت جماعة "الاخوان المسلمين" رفضها بقاء مبارك، الذي يحكم البلاد منذ ثلاثين سنة، في السلطة. وقالت في بيان إن "الشعب يرفض كل الاجراءات الجزئية التي طرحها رأس النظام امس ولا يقبل لرحيل النظام بديلا".


و دعت شخصيات عامة مصرية ، بينها رجل الاعمال نجيب ساويرس ومندوب مصر السابق لدى الامم المتحدة نبيل العربي والكاتب سلامة احمد سلامة، "المؤسسة العسكرية المصرية الى ضمان امن وسلامة شباب مصر المتجمع للتظاهر السلمي في ميدان التحرير وغيره من شوارع وميادين المدن المصرية". وقالوا "اننا نعقد الامل على المؤسسة العسكرية للخروج بالوطن والمواطنين من هذه الازمة وانقاذ ارواح شباب مصر"، لافتين الى أن "مخرج الازمة الخطيرة التي تعصف بالوطن والمواطنين" يتمثل في خطة من خمس نقاط تقضي خصوصاً بان يكلف الرئيس مبارك نائبه عمر سليمان "ادارة الفترة الانتقالية".

بيان الجيش
وكانت الاشتباكات نشبت بعد ساعات قليلة من دعوة الجيش المصري، المتظاهرين الى العودة الى بيوتهم.
 وقال ناطق باسمه في بيان تلاه على التلفزيون الرسمي ان "القوات المسلحة تدعو المتظاهرين الى العودة الى ديارهم من اجل توفير الامن واستعادة الاستقرار في الشارع".
وفي محاولة لتخفيف الاحتقان، قرر مبارك تقصير فترة منع التجول الساري منذ الجمعة في القاهرة والاسكندرية والسويس ساعتين ليصير من الساعة  17:00 الى الساعة 7:00 (من الساعة 15:00 الى الساعة 5: 00 بتوقيت غرينيتش) كما اعلنت وسائل الاعلام الرسمية.
و ص ف، رويتر، أ ب، أ ش أ،ي ب أ



 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة