كيف يبدو الشرق الأوسط في مطلع 2016؟ حرب باردة اقليمية، ذات بعد استراتيجي وهو الأساسي وآخر مذهبي، استقرت في المشهد الشرق الأوسطي. البعد الأول في هذه الحرب الباردة يغذي الثاني ويتغذى عليه. من سمات هذه الحرب الباردة انها تنعكس من خلال الحروب بالواسطة على تنوعها في تأجيج ازمات بدأت محلية وحوّلتها هذه الحروب مسارح مواجهة تحت عناوين مختلفة. أزمات بدأت ضمن موجة "الربيع العربي" ليجري "خطفها" وتدويلها في مجتمعات منقسمة على ذاتها وجاذبة للتدخل وفي دول مأزومة ومفككة حيث ثبت أن النظام أقوى من الدولة.
نظام فوضى اقليمية استقر في الشرق الأوسط لا يعرف قواعد وضوابط اللعبة الدولية التقليدية، نظام قائم على صراعات مفتوحة في الزمان والمكان.
تعود المسببات العميقة للوضع الحالي إلى فشل بناء الدولة الوطنية في العديد من هذه البلاد واحياء الهويات ما دون الوطنية والعابرة للدول في تضامنها السوسيولوجي: هويات مذهبية واثنية. الهويات التي صارت تخاف بعضها البعض الآخر وتخيف بعضها البعض الآخر . عزز ذلك الإتجاه فشل بناء شرعية السلطة الوطنية بسبب سياسات التهميش والإقصاء وتراكم تداعيات تلك السياسات على الإستقرار الوطني.
أدى ذلك كله إلى إنتشار حرب أهلية اقليمية وانتشار نموذج "الصوملة" من دول فاشلة وأخرى في طريقها للفشل. انتشار استقر على رقعة الشطرنج الشرق الأوسطي بمعناه الواسع والممتد من خليج عدن إلى خليج سرت مروراً بمنطقة "الهلال الخصيب". المنطقة التي تشكل عبر الأزمة/المأساة السورية قلب هذه الصراعات. المنطقة التي عرفت بكونها فسيفساء التنوع الخلاق عبر تاريخها صارت منطقة خصبة بصراعاتها المتعددة وصراعات الآخرين حولها وفوقها.
الظاهرة الداعشية الإرهابية بمخاطرها الوجودية التي تطاول الجميع، ولو بأوقات مختلفة، فرضت ذاتها تفاهمات لم يكن سهلاً التوصل اليها على الصعيد الدولي. هذه التفاهمات انعكست في إعادة صوغ الأولويات على صعيد السياسات العملية وليس بالطبع على صعيد المواقف الرسمية أو النظرة الشاملة إلى كل من الأزمات القائمة. هذه التفاهمات تشكل عنصر ضغط ودفع لتفاهمات اقليمية يبدو أن ظروفها لم تنضج بعد بسبب تعقيدات الصراعات وارتباط الهوياتي بالاستراتيجي واستمرار السباق نحو الهاوية في ظل ازدياد مستوى التوتر.
وفيما تبدو التسويات لهذه الصراعات المترابطة مؤجلة، تبدو المواجهات لتحسين المواقع والامساك باكبر قدر ممكن من الأوراق عملية معجلة في انتظار التفاهمات التي ستقوم لحظة انتهاء الحرب الباردة. لحظة الإقتناع المشترك بأن المركب الشرق الأوسطي سيغرق بالجميع.
أما لبنان فسيبقى منتظراً، وهذا ليس بجديد، على قارعة الطريق ليصعد أو يدعى للصعود إلى قطار التسويات يوم سينطلق، مع حلول منطق التفاهمات، من ضفاف الخليج نحو ضفاف المتوسط. ونرجو في مطلع هذا العام ونحن في بلد تحكمه القدرية السياسية أن لا ننتظر طويلاً.
كاتب لبناني |