الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٢٨, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
أوباما يغادر... بشار يبقى - عمر قدور
على عكس ما يشيعه المتفائلون بصدور قرار مجلس الأمن الرقم 2254 حول سورية، يُرجح أن تكون السنة المقبلة أقسى من سابقاتها في ما يخص فصائل المعارضة، والمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

الأخبار التي نقلها أهالي المعضمية في غوطة دمشق الغربية عن استهدافها بالغازات السامة من قبل قوات النظام ليست سوى تفصيل صغير، وفي أقصى الحالات إذا تم إثبات عدم تقيد النظام باتفاق حظر الأسلحة الكيماوية فذلك لن يعرّضه لأية عقوبة. في الواقع، الأسلحة المحرّمة دولياً يستخدمها الطيران الروسي وطيران النظام على نحو معتاد، وأهمها القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة.

الهدف الذي لا يخفى على أحد هو تصفية كل الفصائل العسكرية، المعتدلة منها قبل المتطرفة، مع «تأديب» مَنْ تبقى من أهالي المناطق الثائرة، ومن ثم إعلان انتصار النظام نهائياً وطي صفحة التغيير. الخلاف بين موسكو والعواصم التي تدّعي صداقة سورية حول تصنيف الجماعات الإرهابية ليس ذا أهمية، طالما تستهدف الأولى الفصائل وفق أولوياتها وأولويات النظام، وطالما لم يبادر الأصدقاء إلى دعم مَنْ يصنفونه معتدلاً.

الأسوأ أن تُدرج الأعمال الحربية للنظام وحلفائه الآن في سياق سياسي، وأن يُنظر إليها كسلوك «مشروع» لتحسين الموقع التفاوضي، وتُنزع بذلك من سياقها الأصلي كجرائم إبادة تعبّر عن طبيعة النظام الذي يُراد إبقاؤه.

النصر الأول الذي تحقق للنظام في قرار مجلس الأمن جعل حربه على السوريين حرباً سياسية، ما يخرجها من مطرح الأسئلة الأخلاقية ومساءلات القانون الدولي. لكن الأهم هو اتفاق الأجندة بين موسكو وواشنطن على إتاحة الفرصة لروسيا وللنظام للقضاء على المعارضة بالمعنى الجذري، مع تطويع جزء منها يقبل بالشراكة مع النظام.

ما يُسمى عقدة الأسد، التي كان يُشاع دائماً أنها تعرقل التفاهم الدولي والإقليمي، رُحِّلت عملياً إلى أمد يطابق مهلة المفاوضات والمرحلة الانتقالية ويمتد إلى سنتين. وأهم ما أنجزته الإدارة الأميركية في هذه الصفقة مغادرة أوباما البيت الأبيض بينما يبقى بشار في سدة الرئاسة، تحت اتفاق غامض لا يضمن بقاءه ولا رحيله. غموض مصير بشار أفضل اتفاق تستطيع إدارة أوباما الحصول عليه، فهي غير قادرة على التورط أخلاقياً بتثبيته رئيساً، ولا ترغب في أدنى تورط يترتب على رحيله.

في العديد من التجارب الدولية السابقة، كان وجود عملية سياسية ضعيفة غطاء لتصاعد النزاع وعدم وجود رغبة دولية جادة في وقفه. في سورية، ثمة عنوان واضح للتنصل من العملية السياسية مع إبقائها شكلياً: الحرب على الإرهاب. الأمر هنا لا يتعلق باختلاف على تصنيف الفصائل المتطرفة، بل إن ما يظهر مُتفقاً عليه منذ البداية يعني عدم توقف إطلاق النار، وإتاحة الفرصة كاملة لقتل المعتدلين أسوة بالمتطرفين.

«جبهة النصرة» ستكون الذريعة التي لا اختلاف حولها لضرب الجميع، فلا أحد يجادل في انتماء «النصرة» إلى تنظيم «القاعدة»، ولا أحد يستطيع التفاوض على استثنائها من الحرب على الإرهاب.

أخيراً، في واقع ميداني شديد التشابك والتعقيد، لا أحد يستطيع رسم حدود ثابتة لتواجد «النصرة»، بخلاف الحدود التي ترسمها «دولة» «داعش» لوجودها.

من السطحية بمكان القول المتكرر حول كذب موسكو في ما يخص الإرهاب، ولننسَ موقتاً تصنيفها الجميع كإرهابيين. ما يُعيب هذا القول أن من يكرره من المسؤولين لا يطالب بتمكين من يصنّفهم معتدلين من الدفاع عن أنفسهم، أي أن غاية القول تتوقّف على تسجيل نقطة في المرمى الروسي. الأسوأ من ذلك، أن استمرار الحرب المعممة، بذريعة الحرب على الإرهاب، وصفة داعشية بامتياز وفق ميزان القوى الحالي، لأن أخطر نتائجها يتجلى في وضع المعتدلين بين قطبي رحى النظام والتطرف. التطرف لا يكسب المعركة فقط بسبب النقمة الناجمة عن اللامبالاة الدولية كما يُشاع. هو يكسبها أولاً على الأرض لأن التنظيمات المتطرفة أكثر تمويلاً وأوفر تسليحاً وعتاداً. في حالتنا، معلوم حيازة «جبهة النصرة» الأرجحية التمويلية والتسليحية مقارنة بغالبية الفصائل التي تُصنف معتدلة، ولا يفوت على أدنى ذكاء أن «النصرة» في حال تخصيصها حقاً بالحرب على الإرهاب ستهاجم الفصائل المعتدلة في أماكن السيطرة المشتركة بوصف الأخيرة من معسكر الأعداء، وستكسب المعركة مثلما تكسبها في حال استهداف الجميع واضطرارهم إلى التنسيق معها في مواجهة الاعتداء.

أثبتت تجربة السنوات الثلاث الأخيرة أن لا معنى للحديث عن خطر التطرف في وقت لا يبادر فيه أصحاب الحديث إلى دعم ما يرونه اعتدالاً، في الحرب السورية الطاحنة لا وجود للترف النظري الذي يمارسه سياسيون ومحللون من دون فعالية ملموسة. ميزان القوى على الأرض هو الذي يتحكم بالتحالفات والعداوات، فضلاً عن عدم وجود ناظم مشترك لتلك التحالفات أو العداوات على مجمل مساحة الحرب.

ما أضافه العدوان الروسي على سورية لا يُختزل فقط بالدعم العسكري، فتولي إدارة بوتين الجانب السياسي أمر لا يقل أهمية وخطورة لتمرير أهداف العملية العسكرية بيسر أكبر. في البداية أعلنت موسكو عملية لا تتعدى الثلاثة أشهر، ورُوّج وهم التعاون معها في عملية سياسية تنقذها من التورط المقبل في سورية. لكن العملية السياسية التي فرضت موسكو بنودها ستكون بمثابة التزام من طرف واحد لأنها لن تكون طرفاً في وقف النار المزعوم، ولأنها ستصرّ في المقابل على وقف الدعم الشحيح المقدم للفصائل المعتدلة، ومن المرجح أن تحظى مطالبها بدعم إدارة أوباما غير المتحمسة أصلاً لمجمل الفصائل المقاتلة، ولا تتفق مع أولوياتها المتعلقة بإسقاط النظام.

أسوأ ما في السيناريو السوري المقبل تسويقه كخطة تتجاوز النتائج الكارثية للتغيير في العراق وليبيا، إذ لا مبرر للقول إن التدخل العسكري الروسي في سورية سيؤدي الى نتائج أفضل من التدخل الغربي في بلدان أخرى، إن لم يكن لنا الجزم بالعكس تماماً. الفرضية الأخرى الأسوأ تنص على القضاء على «الإرهاب» الذي أتيحت له كل الفرص للتمركز في سورية، وعلى حساب السوريين أولاً وآخراً. «العدالة» الوحيدة التي قد تتحقق في هذه الفرضية أن ينجح كل إرهاب بالهروب والعودة إلى أهله.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة