الثلثاء ١٩ - ٨ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تشرين الأول ١٨, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
يا أصدقاء أميركا إخشوا أميركا! - عبد الرحمن عبد المولى الصلح
على طريقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (والذي ساوى بين معارضيه السياسيّين من إخوان مسلمين وشيوعيين وماركسيين وليبراليين، فكمّ أفواهم وكبّل أيديهم، وأذاق الجميع ألواناً شتّى من التعذيب). وقد تسبّبت سياسته هذه بالهزيمة الجسيمة والمذلّة أمام العدو الإسرائيلي عام 1967- والمؤسف أنّه بدلاً من أن يُسأل ويُحاكم، استمر في الحكم، حين قال مبرراً الهزيمة: انتظرناهم (الإسرائيليون) من الشرق فجاؤوا من الغرب (!!!)... ففي حين كنّا ننتظر من الرئيس الأميركي أوباما أن يصدق وعده ويضرب الآلة العسكرية السورية صيف 2015، رداً على المجازر التي ارتكبتها قوات النظام واستعمالها الكيماوي ضد المدنيين، لكنّه لم يفعل، كرمى لعيون ملالي طهران للتوصّل الى اتفاقٍ حول النووي، فوجئنا بهجوم عسكري روسي «لتأبيد» الأسد (من يدري: أربعون سنة أخرى...؟!) وسحق المعارضة العسكرية التي تمثّل في جملة ما تمّثل تطلعات الشعب السوري، وأوّلها إزاحة الأسد من كرسي الحكم. وهذا ما أكّده جون كيربي، المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية قائلاً: «الغارات كانت بشكل واسع ضمن مجموعات المعارضة التي تسعى لمستقبلٍ أفضل لسورية ولا تريد أن ترى نظام الأسد في السلطة» (الصُحف، الخميس 8/9/2015). ولقد بلغ الصلف بوزير الخارجية الروسي إلى التصريح، بأنّ القوات الروسية مستعدّة للتعاون مع الجيش السوري الحر... إن وُجد! (الصحف، الأربعاء 7/9/2015). بدايةً، قد «نفهم» التوغل السوفياتي في أفغانستان أوائل ثمانينات القرن الماضي، بحكم الجوار وبهدف إيجاد حكمٍ حليف لموسكو الشيوعية، آنذاك، وقد «نفهم» أيضاً التوغّل السوري في لبنان عام 1978، بمباركة دولية لوقف الاقتتال وبحكم الجوار أيضاً، ولا نستغرب عاصفة الحزم (2015) التي قادتها المملكة العربية السعودية مع الدول الخليجية لوضع حدٍّ للانقلاب الحوثي في اليمن المدعوم من طهران. إلاّ أنّ الإنزال الروسي العسكري على الأراضي السورية يُثير العجب إضافةً الى الاستهجان ويُشكل خرقاً واضحاً للأعراف الدولية.

فالهجوم الأميركي البريطاني على العراق عام 2003 كانت حجّته إزالة أسلحة الدمار الشامل، ولقد تبيّن وثبت لاحقاً أنّ هذه الحجة واهية، لكن الهجوم تمّ بغطاء من مجلس الأمن. الأمر نفسه انطبق على ما حدث في ليبيا عام 2005، إلاّ أنّ الهجوم العسكري الروسي على سورية يُشكّل سابقة خطرة تنبذها ولا تقرّها الأعراف الدوليّة. إنّه الوجه الآخر للاستقواء على الآخرين... ثمّ ماذا يمنع غداً دولاً أخرى أن تحذو حذو روسيا؟ المانع الوحيد هو الديموقراطية التي تفتقدها موسكو، والأمثلة على ذلك كثيرة، فلم يوافق مجلس العموم البريطاني على المشاركة في الضربة العسكرية الأميركية التي كانت منتظرة ضد الآلة العسكرية السورية. والديموقراطية التركية لم تسمح للقوات الأميركية باستعمال القواعد العسكرية التركية لضرب العراق عام 2003. وعلى سيرة الديموقراطية، تجدر الإشارة الى تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي أيّد الهجوم الروسي مبرّراً ذلك بالقضاء على الإرهاب. يا لها من مفارقة حين تتناغم الديموقراطيات والنُظم العسكرية مع بعضها البعض. لا أجد مثيلاً للهجوم العسكري الروسي على الأراضي السورية والذي تمّ دون غطاءٍ دولي، إلاّ إنزال الأسطول الأميركي السادس على الشواطئ اللبنانية عام 1958 والذي تمّ بطبيعة الحال من دون قرار في مجلس الأمن. يومها، ظنّ اللبنانيون أنّ الإنزال تمّ كرمى لعيونهم، فتبين من خلال أكثر من تقرير ودراسة، أنّ الهاجس الأميركي كان يومها منصباً على العراق، بعد تولي عبد الكريم قاسم (الشيوعي) الحكم في بغداد.

مبررات الهجوم الروسي من وجهة نظر موسكو أضحت معروفة، وفق ما جاء في عشرات، بل مئات التقارير الصحافية والسياسية، وبالتالي فلا ضرورة لذكرها وذلك لتجنب التكرار والملّل. لكنني أميل إلى الاعتقاد أنّه على رغم التصريحات الأميركية التي تحفّظت على الهجوم العسكري الروسي على الأراضي السورية، وكان آخرها تصريح الناطق الرسمي للبنتاغون قائلاً: «واشنطن لن تتفاوض مع موسكو في سورية لاستمرار روسيا بدعم الأسد»، فإني أميل إلى الاعتقاد بأنّ الروس أقدموا على تنفيذ خططهم، إن لم يكن بالتنسيق المسبق مع واشنطن، فعلى الأقل بإعلام واشنطن بالنيّات الروسية، ناهيك عن التنسيق مع تل أبيب... ولعلّ زيارة نتانياهو الى موسكو، قبل يوم واحدٍ من بدء العمليات الروسية العسكرية، خير دليلٍ على ذلك!! وهذا ما يتعارض مع ما ذكره الأمين العام لـ «حزب الله» في آخر تصريحٍ له بأنّ التحالف الروسي السوري سيكون مقلقاً لإسرائيل...!! بإيجاز، يُشكّل الهجوم العسكري الروسي ترجمةً لانكفائية الرئيس الأميركي أوباما وترجمةً لسياسته القاضية بتسليم زمام الأمور في المنطقة الى طهران. هو نفسه، القائل إنّ «الإيرانيين استراتيجيون وغير متهوّرين ولديهم نظرة عالمية ويرون مصالحهم ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة». والمؤسف أنّ تطمينات الرئيس الأميركي الى القادة الخليجيين أثناء القمّة التي انعقدت أخيراً في العاصمة الأميركية حول السعي إلى تحجيم دور طهران في المنطقة وإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، يبدو أنّها... ذهبت مع الرياح.

المفارقة أن الرئيس باراك أوباما أرسل اعتذاراً إلى «أطباء بلا حدود» بعدما قصفت الطائرات الأميركية من طريق الخطأ مستشفى في قندوز- أفغانستان، ما أدى إلى مقتل 70 شخصاً، بينما لا يرف له جفن على أكثر من 300 ألف قتيل سوري. أقل ما يقال إنهم سقطوا نتيجة تردُّده وانكفائه وعدم عزمه وضع حد لنظام الأسد.

لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر قولٌ شهير: «على أعداء أميركا أن يخشوا أميركا، لكنّ على أصدقائها أن يخشوها أكثر!!».

يا أصدقاء أميركا، اخشوها.

* كاتب لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة