الثلثاء ١٩ - ٨ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تشرين الأول ١٨, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
الهبّة الشعبية والفصائل الفلسطينية - ماجد كيالي
بعد العملية التفجيرية في مطعم سبارو في القدس (9 آب/أغسطس 2001)، أي في الأشهر الأولى للإنتفاضة الثانية، عمدت اسرائيل الى إغلاق «بيت الشرق»، الذي كان بمثابة عاصمة فلسطينية، أو مقراً لوزارة خارجية فلسطين، وكان يديره فيصل الحسيني، الشخصية المقدسية البارزة، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح. طبعاً لم تكتف إسرائيل بذلك بل وسّعت الأمر، مع تزايد العمليات التفجيرية، إلى حد وضع قيود على دخول فلسطينيي الضفة الى القدس، وبذلك استطاعت عزل القدس، وإضعاف التواصل بين أهاليها وأهالي الضفة، وإخراج الأقصى من نطاق الانتفاضة، التي كانت خرجت من كونها حالة شعبية بعدما باتت محصورة في المواجهات العسكرية.

أيضاً، وفي إطار ردها على العمليات التفجيرية، اطلقت اسرائيل، آنذاك، خطة الانفصال أو فك الارتباط: «نحن هنا وهم هناك»، وقوامها تقليص الاحتكاك بالفلسطينيين لأقصى قدر ممكن. هكذا، وضمن هذه الخطة بنتْ الجدار الفاصل، وعشرات النقاط الاستيطانية، اضافة إلى المستوطنات القائمة، كما شقت مزيداً من الطرق والجسور الالتفافية، كممرات آمنة خاصة بالمستوطنين، فضلاً عن نصب عشرات الحواجز على الطرق الرئيسة. ونجم عن كل ذلك قضم مزيد من اراضي الضفة، وتوسيع النطاق الحيوي للمستوطنات، وقطع التواصل بين المدن والقرى الفلسطينية، والتخفف من العبء الأمني الناجم عن الاحتكاك بالفلسطينيين. أيضاً، في هذا الإطار، يمكن فهم انسحاب إسرائيل الأحادي من غزة (15 آب 2005)، إذ تخلصت من العبء السياسي والامني الناجم عن السيطرة على حوالى مليوني فلسطيني، تركتهم لتدبّر أحوالهم، مع خلافات فصائلهم، في منطقة كثيفة السكان ونادرة الموارد، مع فرض الحصار المشدد عليها، ناهيك عن شنها ثلاث حروب مدمرة عليهم في غضون ستة أعوام (2008 و2012 و2014).

السؤال الآن: ما الذي تخبئه اسرائيل للفلسطينيين؟ أو هل لدى الفلسطينيين رد على أية خطوة إسرائيلية، متوقعة أو غير متوقعة، علماً انه لم يعد ثمة شيء لا يمكن توقعه أو اختباره بعد كل الذي حصل في المشرق العربي في الأعوام القليلة الماضية؟

الفكرة، ان الفصائل الفلسطينية ليس لديها موقف موحد، أو واضح، تجاه أي شيء. فكلها كانت تتحدث عن توقع الانتفاضة الثالثة، أو الطلب عليها، لكن البعض كان يريدها بغرض التهديد بها، والبعض الآخر لقطع الطريق على خيار آخر، في إطار الصراعات على السلطة، وثمة من أرادها من دون قدرة على ترجمة ما يريد.

مع ذلك فهذه الفصائل لم توضح لشعبها ماهية الانتفاضة الثالثة المرجوّة، أي الاهداف المتوخاة منها، والأشكال الكفاحية التي يفضَل اعتمادها، من حيث الامكانيات والجدوى، بناء على دروس الانتفاضتين السابقتين، كما لم تقم بالمطلوب منها لتهيئة مستلزمات الانتفاضة، او تهيئة مجتمعها لذلك. فـ»فتح» في الضفة كانت معنية بإنجاح الخيار التفاوضي، وبحراكات شعبية محدودة ومسيطر عليها تبعا لهذا الخيار، اما «حماس»، اي حزب السلطة في غزة، فأرادت الانتفاضة لكنْ في الضفة، بأي شكل، لإضعاف مكانة غريمتها هناك، فيما باقي الفصائل، التي لديها الرغبة في انتفاضة ثالثة، ليست لديها القدرة على تفعيل هذه الرغبة، او لا تعرف ماذا ستفعل في حال اندلاعها.

في كل الأحوال فهذه الفصائل، في الحاحها على الانتفاضة الثالثة، لم تبين كيفية الرد على خطوات إسرائيلية كبيرة من نوع نزع هويات الاقامة عن النشطاء المقدسيين، او اقامة احياء استيطانية جديدة في القدس، او فرض الاغلاق على الاحياء العربية فيها. كما لم تبين كيفية الحؤول دون خروج الوضع عن السيطرة، في حال تحولت الهبة الى العمل المسلح، ما قد يسهل على اسرائيل القيام بخطوات كارثية على الفلسطينيين، على شكل ترحيل تجمعات معينة من هذه المنطقة او تلك، او شن حرب جديدة على غزة، او اطلاق العنان لهجمات المستوطنين المسلحين.

مع ذلك يمكن التنويه هنا بأن ثمة نوعاً من نضوج في ادراك الفلسطينيين لحدود امكانياتهم، ولأشكال الكفاح الممكنة لهم، على الصعيدين الشعبي والفصائلي. وفي هذا الإطار يحتسب لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، كلامه عن ضرورة احتفاظ الفلسطينيين بالتفوق الأخلاقي في صراعهم مع إسرائيل، بعدم استهداف المدنيين، على نحو ما جرى في حرب غزة الثالثة، لجهة عدم استهداف صواريخ «حماس» للمدنيين في المدن الإسرائيلية. كما يحتسب لموسى ابو مرزوق، القيادي البارز في تلك الحركة، تصريحه مؤخرا بضرورة الحفاظ على الطابع الشعبي للانتفاضة، وعدم زج غزة في حرب غير محسوبة، عبر اطلاق الصواريخ. وعلى رغم ان هذه التصريحات اتت متأخرة، وبعد تجربة باهظة الثمن في الانتفاضة الثانية، فإنها مهمة جداً، ويمكن اعتبارها دليل مراجعة لنمط العمليات التفجرية، وللحرب بالصواريخ، وتصويبا للكفاح الفلسطيني، ووضعه على سكة التفكير بعقلانية وفقا لحسابات الجدوى، بحيث لا تترك الامور للعواطف والروح الحماسية فقط. وهذا يظهر أن المسألة لا تتعلق بالحق في المقاومة، وانما باستخدام الاشكال الاصوب والانجع، والتي يمكن ان تخدم الهدف، وتعزز صدقية ومشروعية وعدالة كفاح الفلسطينيين من اجل حقوقهم.

بديهي أننا في هذا الحديث نميّز بين جانبين: الأول، الأعمال الفردية والعفوية، والتي تأتي كردة فعل من شباب يعبّرون عن يأسهم وغضبهم وينتصرون لكرامتهم وحريتهم، لا سيما مع كل الانتهاكات والمظالم والامتهانات التي ترتكبها اسرائيل بجنودها ومستوطنيها بحقهم، وفي ظل غياب اي مرجعية فلسطينية. والثاني، وضعية الفصائل، التي بدت مع عجزها، تلهث وراء ما حصل، وتبارك فحسب عمليات الطعن بالسكاكين، من دون ان تفعل شيئا، علما أنها مسؤولة ازاء شعبها عن صوغ أشكال النضال الأجدى والاكثر شمولية واستمرارية، والتي توجع اسرائيل ولا توجع الفلسطينيين، وتعمق تناقضات مجتمع العدو وتضعفه ولا تضعف مجتمعها، او تتركه فريسة وحشية اسرائيل واجرامها. ولعل هذا الفارق المهم بين مسؤولية الافراد ومسؤولية الفصائل لا ينبغي طمسه او تغطيته بتحمّس الفصائل لهذه العملية او تلك.

فإذا كانت الفصائل، بعجزها وتكلسها، مقتنعة أن «حرب السكاكين» قد تجلب شيئاً للفلسطينيين، أكثر مما جلبته العمليات التفجيرية في الانتفاضة الثانية، وأكثر من الحرب بالصورايخ التي تم تجريبها في الحرب الأخيرة على غزة، فعليها ان توضح ذلك.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية
تل أبيب ترفض التهدئة وتستدعي قوات الاحتياط
مصير الانتخابات الفلسطينية يحسم اليوم
استطلاع: «فتح» تتفوق على «حماس» والبرغوثي يفوز بالرئاسة
المقدسيون مدعوون للانتخابات عبر مراكز البريد
مقالات ذات صلة
أيضاً وأيضاً: هل يتوقّف هذا الكذب على الفلسطينيّين؟ - حازم صاغية
حرب غزة وأسئلة النصر والهزيمة! - أكرم البني
إعادة اختراع الإسرائيليّة والفلسطينيّة؟! - حازم صاغية
لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام» - حسام عيتاني
... عن مواجهات القدس وآفاقها المتعارضة - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة