بعد نهار طويل من التظاهرات "المليونية" في القاهرة وعدد من المدن الرئيسية (ص10)، أعلن الرئيس المصري حسني مبارك في كلمة الى الشعب انه لن يرشح نفسه لولاية رئاسية سادسة في الانتخابات المقررة في ايلول، لكنه اكد انه سينهي ولايته كاملة، فيما سارعت واشنطن التي بدأت تتخذ مواقف اكثر وضوحاً الى اعتبار كلمة مبارك مهمة لكنها غير كافية. وشدد الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي تحدث مدة 30 دقيقة مع الرئيس المصري بعد الكلمة، على ان الاصلاح في مصر يجب ان يبدأ الآن، وان العالم يشهد على بدء صفحة جديدة في مصر، متوقعاً اياماً صعبة في المرحلة المقبلة، واشاد بتعامل الجيش مع المتظاهرين.
مبارك وقال مبارك في كلمة وجهها الى الشعب عبر التلفزيون، انه لم يكن ينوي الترشح لولاية جديدة. واضاف انه سيدعو مجلسي البرلمان الى مناقشة تعديل المادتين 76 و77 من الدستور وهما المادتان المتعلقتان بشروط الترشح لمنصب رئيس الدولة ومدد الرئاسة. وتتضمن المادة 76 شروطاً تجعل من المستحيل تقريباً على المستقلين الترشح للمنصب. وقال المعارضون انها عدلت في السابق لتضمن الا يكون هناك منافس حقيقي لمرشح الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم. كما تطلق المادة 77 مدد تولي منصب الرئاسة.
واعلن ان "مسؤولياتي الاولى الآن هي استعادة امن واستقرار الوطن لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة في اجواء تحمي مصر والمصريين، وتتيح تسلم المسؤولية لمن يختاره الشعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة". وخلص الى انه دافع عن مصر وانه سيموت فيها وان التاريخ سيحكم بما له وبما عليه. وفي خطوة اخرى لاستيعاب مطالب المحتجين بثت قناة "العربية" ان وزير الداخلية المصري السابق اللواء حبيب العادلي احيل على النيابة العسكرية بعد الاتهامات التي وجهها اليه المتظاهرون باطلاق النار عليهم في الايام الاولى للاحتجاجات.
المحتجون يرفضون وبعد الكلمة التي وجهها مبارك هتف المحتجون المعتصمون في ميدان التحرير: "مش حنمشي... هو يمشي" رافضين مغادرة الميدان قبل استجابته مطلبهم ان يرحل. وبعد الهتاف الرافض للاقتراحات ألقى احد المحتجين ما يسميه المحتجون "قسم الثوار" بواسطة مكبر للصوت وردده الآخرون وراءه: "اقسم بالله العظيم ان اعمل على استمرار الثورة الشعبية جندياً في صفوفها لا اغادر الميدان حتى يغادر مبارك ورموز نظام مبارك نهائياً هذا البلد".
كما رفض المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ما جاء في كلمة مبارك، معتبراً في تصريح لقناة "العربية" الفضائية التي تتخذ دبي مقراً لها ان اقتراحات مبارك "عملية خداع لن تنطلي على احد". واضاف: "مبارك يطيل فترة عدم الاستقرار في مصر ويجب ان يستقيل". واكد انه "لن يكون اي فراغ اذا رحل مبارك"، وان "ما تعيشه مصر هو الفوضى واستقالة مبارك ستعيد الاستقرار".
الموقف الأميركي وبعد ساعتين من إلقاء مبارك كلمته، صرح اوباما في مؤتمر صحافي بالبيت الابيض بأنه أبلغ الرئيس المصري خلال اتصال هاتفي ان انتقال السلطة سلمياً في مصر يجب ان يبدأ "الآن"، ولكن من غير ان يدعوه الى التنحي فوراً.
وحض الجيش المصري على مواصلة جهوده لضمان مرور وقت التغيير في مصر من دون عنف. ونقل عن مبارك ابلاغه اياه انه يدرك انه لا بد من ان يحدث تغيير. وقال ان الولايات المتحدة مستعدة لتقديم اي عون لازم لمساعدة الشعب المصري عقب الاحتجاجات، ولفت الى ان كثيراً من الاسئلة عن مستقبل مصر لم تجد اجابة بعد، وان ثمة اياماً صعبة آتية.
وأشاد بالجيش المصري لسماحه بالتظاهر سلمياً، وامل ان يواصل الجيش هذه المعاملة. وخاطب الشباب المصريين قائلاً: "نحن نسمع اصواتكم"، ولاحظ ان العالم يشهد صفحة جديدة في مصر. وتابع اوباما الكلمة التي ألقاها مبارك خلال اجتماع كان يعقده في غرفة الاوضاع بالبيت الابيض مع فريقه للأمن القومي. وقبله قال مسؤول اميركي كبير "ان ما اعلنه الرئيس (المصري) مهم، لكن ينبغي معرفة ما اذا كان سيرضي مطالب الناس الموجودين في ميدان التحرير... من الواضح ان هذه الحركة تصير أقوى ولن تتوقف".
ماذا قال ويزنر؟ ونقلت "الاسوشيتدبرس" عن مسؤول اميركي بارز ان المبعوث الاميركي الخاص الى مصر السفير السابق لدى القاهرة فرانك ويزنر الذي وصل الى العاصمة المصرية الاثنين، ابلغ مبارك ان واشنطن ترى ان رئاسته قد بلغت نهايتها، وحضه على التحضير لانتقال منظّم الى ديموقراطية حقيقية وانتخابات. واضاف المسؤول ان ويزنر قال لمبارك بوضوح ان "رأي الولايات المتحدة هو ان ولايته رئيساً قد انتهت". وكشف مسؤول اميركي ثان ان ويزنر حمل الى مبارك تقويم الرئيس اوباما ومفاده ان الرئيس المصري يجب الا يسعى الى الترشح للانتخابات الرئاسية في ايلول.
اتصال بالبرادعي وقبل كشف رسالة ويزنر، أفادت وزارة الخارجية الاميركية في بيان ان السفيرة الاميركية في القاهرة مارغريت سكوبي اتصلت بالبرادعي لتبحث معه في التغيير السياسي في مصر. وقالت: "سفارتنا في القاهرة تبقي على تواصل نشيط مع طائفة كبيرة من ممثلي المجتمعين السياسي والمدني في القاهرة وكانت مشغولة بشكل خاص في الايام الاخيرة بالمساعدة في التعبير عن تأييدنا القوي لانتقال سلس". واضافت: "من مثل هذه الاتصالات، اتصال بين السفيرة ومحمد البرادعي اليوم" في اشارة الى سكوبي.
وفي القاهرة، أكدت مصادر سياسية مصرية موثوق بها ان البرادعي تلقى اتصالات هاتفية من مسؤولين وديبلوماسيين من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لاستطلاع رأيه في مرحلة "ما بعد مبارك" في مصر.
وقالت ان "رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو والسفيرة الاميركية في القاهرة مارغريت سكوبي والسفير البريطاني في العاصمة المصرية دومينيك اسكويث اتصلوا هاتفياً بالبرادعي للاستفسار منه عن رؤيته لطريقة انتقال السلطة اذا ما وافق الرئيس المصري على التخلي عنها". واوضحت ان "البرادعي عرض اقتراحين، الاول هو تشكيل مجلس رئاسي موقت مكون من ثلاثة اشخاص احدهم عسكري والاثنان الآخران مدنيان، والاقتراح الثاني هو ان يصير اللواء عمر سليمان رئيساً موقتاً - ربما بتفويض من مبارك – خلال فترة انتقالية تشهد حل مجلسي الشعب والشورى واعداد دستور جديد للبلاد واجراء انتخابات نيابية ورئاسية حرة بعد اقرار هذا الدستور". واشارت الى ان "البرادعي يميل الى الخيار الثاني".
في غضون ذلك، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي جون كيري علناً ما يقوله المسؤولون الاميركيون سراً من ان مبارك يجب ان "يتنحى بهدوء من اجل تمهيد الطريق امام هيكلية سياسية جديدة".
موسى: سأفكر في الترشح وبعيد اعلان مبارك عزمه على عدم الترشح لولاية رئاسية سادسة في ايلول، سألت شبكة "سي ان ان" الاميركية للتلفزيون الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى هل يترشح لخلافة مبارك، فأجاب: "نعم، انا املك هذا الحق، لكنني سأفكر في ذلك بجدية خلال الأسابيع المقبلة". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نص كلمة الرئيس حسني مبارك
هذا نص كلمة الرئيس حسني مبارك التي وجهها ليل أمس عبر التلفزيون المصري:
"الأخوة المواطنون. أتحدث إليكم في أوقات صعبة تمتحن مصر وشعبها وتكاد أن تنجرف بها وبهم إلى المجهول. يتعرض الوطن لأحداث عصيبة واختبارات قاسية بدأت بشباب ومواطنين شرفاء مارسوا حقهم في التظاهر السلمي تعبيراً عن همومهم وتطلعاتهم سرعان ما استغلهم من سعى لإشاعة الفوضى واللجوء إلى العنف والمواجهة وللقفز على الشرعية الدستورية والانقضاض عليها.
تحولت تلك التظاهرات من مظهر راق ومتحضر لممارسة حرية الرأي والتعبير إلى مواجهات مؤسفة تحركها وتهيمن عليها قوى سياسية سعت إلى التصعيد وصب الزيت على النار، واستهدفت أمن الوطن واستقراره بأعمال إثارة وتحريض وسلب ونهب وإشعال للحرائق وقطع للطرقات واعتداء على مرافق الدولة والممتلكات العامة والخاصة واقتحام لبعض البعثات الديبلوماسية على أرض مصر. نعيش معاً أياما مؤلمة وأكثر ما يوجع قلوبنا هو الخوف الذي انتاب الغالبية الكاسحة من المصريين وما ساورهم من انزعاج وقلق وهواجس حول ما سيأتي به الغد لهم ولذويهم وعائلاتهم ومستقبل ومصير بلدهم.
إن أحداث الأيام القليلة الماضية تفرض علينا جميعاً شعبا وقيادة الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار وتطرح أمامنا ظروفاً جديدة وواقعاً مصرياً مغايراً يتعين أن يتعامل معه الشعب وقواته المسلحة بأقصى قدر من الحكمة والحرص على مصالح مصر وأبنائها.
لقد بادرت الى تشكيل حكومة جديدة بأولويات وتكليفات جديدة تتجاوب مع مطالب شبابنا ورسالتهم وكلفت نائب رئيس الجمهورية الحوار مع القوى السياسية كافة حول كل القضايا المثارة للاصلاح السياسي والديموقراطي وما يتطلبه من تعديلات دستورية وتشريعية من أجل تحقيق هذه المطالب المشروعة واستعادة الهدوء والأمن والاستقرار. لكن هناك من القوى السياسية من رفض هذه الدعوة للحوار تمسكاً بأجنداتهم الخاصة ودون مراعاة للظرف الدقيق الراهن لمصر وشعبها.
وبالنظر لهذا الرفض لدعوتي للحوار، وهي دعوة لا تزال قائمة، فإنني أتوجه بحديثي اليوم مباشرة لأبناء الشعب بفلاحيه وعماله، مسلميه وأقباطه، شيوخه وشبابه، ولكل مصري ومصرية في ريف الوطن ومدنه على إتساع أرضه ومحافظاته.
إنني لم أكن يوما طالب سلطة أو جاه، ويعلم الشعب الظروف العصيبة التى تحملت فيها المسؤولية، وما قدمته للوطن حربا وسلاما. كما أنني رجل من أبناء قواتنا المسلحة، وليس من طبعي خيانة الأمانة أو التخلي عن الواجب والمسؤولية.
إن مسؤوليتي الأولى الآن هي استعادة أمن واستقرار الوطن لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة في أجواء تحمي مصر والمصريين وتتيح تسلم المسؤولية لمن يختاره الشعب في الإنتخابات الرئاسية المقبلة. وأقول بكل الصدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن إنني لم أكن أنوي الترشح لفترة رئاسية جديدة. فقد قضيت ما يكفي من العمر فى خدمة مصر وشعبها، لكنني الآن حريص كل الحرص على أن اختتم عملي من أجل الوطن، بما يضمن تسليم أمانته ورايته ومصر عزيزة آمنة مستقرة وبما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور.
أقول بعبارات واضحة إنني سأعمل خلال الأشهر المتبقية من ولايتي الحالية كي يتم اتخاذ التدابير والإجراءات المحققة للانتقال السلمي للسلطة بموجب ما يخوله لي الدستور من صلاحيات. إنني أدعو البرلمان بمجلسيه إلى مناقشة تعديل المادتين (76) و (77) من الدستور بما يعدل شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية ويعتمد فترات محددة للرئاسة.
ولكي يتمكن البرلمان الحالي بمجلسيه من مناقشة هذه التعديلات الدستورية، وما يرتبط بها من تعديلات تشريعية للقوانين المكملة للدستور وضماناً لمشاركة القوى السياسية كافة في هذه المناقشات، فإننى أطالب البرلمان بالتزام كلمة القضاء وأحكامه في الطعون على الإنتخابات التشريعية الأخيرة دون إبطاء. سوف أوالي متابعة تنفيذ الحكومة الجديدة لتكليفاتها على نحو يحقق المطالب المشروعة للشعب، وأن يأتي أداؤها معبراً عن الشعب وتطلعه للاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولاتاحة فرص العمل ومكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي السياق ذاته، فإنني أكلف جهاز الشرطة الإضطلاع بدوره في خدمة الشعب وحماية المواطنين بنزاهة وشرف وأمانة وبالاحترام الكامل لحقوقهم وحرياتهم وكرامتهم. كما أنني أطالب السلطات الرقابية والقضائية بأن تتخذ على الفور ما يلزم من إجراءات لمواصلة ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين في ما شهدته مصر من إنفلات أمني ومن قاموا بأعمال السلب والنهب وإشعال النيران وترويع الآمنين. ذلك هو عهدي للشعب خلال الأشهر المتبقية من ولايتي الحالية. أدعو الله أن يوفقني في الوفاء به كي اختتم عطائي لمصر وشعبها بما يرضي الله والوطن وأبنائه.
الأخوة المواطنون. ستخرج مصر من الظروف الراهنة أقوى مما كانت عليه قبلها وأكثر ثقة وتماسكا واستقرارا.سيخرج منها شعبنا وهو أكثر وعيا بما يحقق مصالحه وأكثر حرصاً على عدم التفريط في مصيره ومستقبله. إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها. إن هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية، فيه عشت وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه وعلى أرضه أموت، وسيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا أو علينا. إن الوطن باق والأشخاص زائلون، ومصر العريقة هي الخالدة أبدا تنتقل رايتها وأمانتها بين سواعد أبنائها، وعلينا أن نضمن تحقيق ذلك بعزة ورفعة وكرامة جيلا بعد جيل. حفظ الله هذا الوطن وشعبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
|