أن يترتب على الانتخابات المحلية في المغرب انفراط جزء من التحالف الحكومي، الأمر ليس مفاجئاً، بالقدر الذي يمكن استبعاده، طالما أن نهاية ولايته لا تزيد عن سنة وبضعة أشهر، يتحملها الخصوم، وبالأحرى السائرون في مركب واحد. وفي حال صمدت تجربة الائتلاف أمام ضغوط وإكراهات تحالفات من خارج سقف السلطة التنفيذية، سيكون ذلك مكسباً لفائدة رئيسها عبدالإله بن كيران وحزب «العدالة والتنمية» الذي وضع رجليه على ركاب فرس اشتراعيات العام القادم، مطمئناً إلى تحقيق نصر أكبر، أبرز معالمه أنه اخترق جدار انتخابات البلديات والجهات، وصار في حكم الوارد تأمين حضوره في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية في البرلمان التي لم يكن يتوفر فيها على أي مقعد.
ليست تحالفات تشكيل مجالس البلديات والنظام الجهوي، ومجلس المستشارين أكثر من شجيرات تخفي الغابة. ذلك أن حيازة المراتب الأولى في الاقتراع الشعبي، لا تكتمل من دون الحصول على ثقة «الناخبين الكبار» الذين يورثون في خرائط مجالس التدبير، بخاصة أن القوانين الإجرائية سارية المفعول تحتم الظفر بالغالبية لرئاستها. وما دام أن الأصوات موزعة على مجموع البلديات والجهات، يصبح التحالف اختياراً لا بديل منه، أكان بين شركاء الائتلاف الحكومي في الغالبية، أو في اتجاه الانفتاح على المعارضة التي لا يمكنها بدورها أن تمضي قدماً من دون إسناد أصوات من الغالبية.
تكريس واقع أن أي حزب أو تكتل لا يستطيع تأمين الغالبية المطلوبة لإطلاق اليد في مجالات تدبير الشأن العام شيء، والضرورات التي تحتم قيام تحالفات شيء آخر، وحين يقع تجاذب بين مكونات الغالبية الحكومية حول الظفر برئاسيات محلية وجهوية، يصب ذلك في خانة المعارضة، والحال أن الأخيرة التي وضعت خطاً أحمر أمام احتمالات التحالف مع الغالبية، وتحديداً مع «العدالة والتنمية» وجدت نفسها مضطرة لمعاودة النظر في مواقف متسرعة، تماماً كما بدا لرئيس الحكومة أن مسايرة تجمع الأحرار عبر إرضائه في بعض المناطق يفرضه واقع آخر، يتمثل في حفظ الائتلاف الحكومي من الانهيار. وهو يدرك أن الخلاف لا يطاول مجلس بلدية أو جهة أكثر منه تعطيل آليات الائتلاف الحكومي في الهزيع الأخير من الولاية الاشتراعية.
في أكثر من مناسبة، قال بن كيران إنه لا يمانع في ترجيح اقتراحات حلفائه في السلطة التنفيذية، على حساب حزبه الذي حاز الصدارة في اشتراعيات العام 2011. وفهم من كلامه أن الضرورة تبيح المحظور سياسياً، ما يعني أن وصفة التنازلات التي يقدمها اليوم، من تسهيل تشكيل مجالس البلديات والجهات، إنما تروم التلميح إلى أنه قد لا يواصل المسعى نفسه في حال حيازة غالبية مريحة في الاستحقاق الاشتراعي القادم. لكنه في الوقت ذاته يرغب في توجيه رسائل محددة، محورها أنه «زاهد» في الاستئثار بتدبير بلديات استحقها عن جدارة.
باستثناء همسات حول التشوهات الانتخابية التي اعترت البلديات، عبر الإفراط في استخدام المال للتأثير واستمالة الناخبين، نجح رئيس الحكومة في كسب رهان كان محفوفاً بالمخاطر، يتمثل في أنه رعى العملية الانتخابية من بدايتها إلى إعلان النتائج. وبينما كان رهان خصومه يسعى لاستغلال أي ثغرات للقول إن الرعاية السياسية لرئيس الحكومة حادت عن ضمانات النزاهة والحياد، استطاع «العدالة والتنمية» عبر إدارة معارك سياسية نزع هذا الفتيل. كونه يرمي بصره بعيداً على الاستحقاقات الاشتراعية التي قد تخلق بدورها مفاجأة صادمة لخصومه.
في بعض مؤشرات التحالف التي ذهبت إلى عدم استبعاد أي شريك آخر، وإن كان فصائل المعارضة، يضرب بن كيران عصفورين بحجر واحد، إذ إنه لا يمكن أن يخضع للسقف العالي لطلب تجمع الأحرار، والحال أن الإيحاء بتحالفات محلية على مستوى البلديات والجهات يمكن أن ينسحب على الأوضاع المرتقبة لتحالفات حكومية بعد اشترعيات العام 2016. وقد لا يعني التلويح بالذهاب إلى انتخابات مبكرة سوى أن كل شيء وارد من الآن إلى حين إجراء الاستحقاقات الاشتراعية، والتداخل الحاصل بين الاشتراعيات والبلديات إنما يخفي جوهر التحديات القادمة. |