في لقائه الأخير مع وجهاء بلدات الغوطة المحاصرة، لم يسعَ قائد جيش الإسلام زهران علوش، الى شرح تفاصيل وأسباب تصارع تنظيمه المسلّح مع مسلّحي «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، الذي يقاسمه السيطرة العسكرية على بلدات الغوطة الشرقية، فحسب، بل ذكّر بالمشروع الكلّي الأكبر لتنظيمه «المتمايز» تماماً عن أجناد الشام، لأنه يملك رؤية ومشروعاً لتأسيس العديد من المؤسسات الاقتصادية والإعلامية والطبّية والتعليمية والخدمية البيروقراطية في هذه البلدات، وقال أن التصارع مع أجناد الشام هو ما يمنع «جيش الإسلام» من تحقيق «مشاريعه المؤسساتية» هذه.
غالب الظن أن هذه المؤسسات المتخيّلة من جانب علوش، والتي يملك القليل منها راهناً، تسعى في الأخير الى أن تنطبق مع ما أحدثته الإدارة الكردية من مؤسسات في مناطق سيطرتها، وإن بأيديولوجية وخطاب مطابقين للمشروع الكلّي لزهران علوش وجيش الإسلام. لكن الجامع بين «مؤسسات» جيش الإسلام المتوقعة ونظيراتها المؤسسة سابقاً من جانب الإدارة الكردية، وتلك التي يسعى العديد من القوى السورية المعارضة المسلّحة في مناطق سيطرتها إلى تأسيسها، أنها جميعاً تتّسم بكونها «أجهزة» سياسية حزبية للسيطرة والهيمنة أكثر بكثير من كونها «مؤسسات» عامة.
فجميع هذه المؤسسات مغلّفة بنزعات أيديولوجية واضحة، من التأسيس والشكل والهرمية، وحتى الخطاب والرموز البينية في هذه «المؤسسات». فكما أن جميع مؤسسات الإدارة الكردية مبنيّة على الأيديولوجية القومية/ اليسارية لحزب العمال الكردستاني وخطابه ورموزه، فإن مؤسسات جيش الإسلام ستكون بصبغة دينية طائفية محافظة «سلفية»، وكـــــل هذه المؤسسات ستسعى جاهدة الى أن تكون بؤراً لبثّ خطاب ودعاية هذه التنظيمات المسلّحة والأيديولوجيات والأحزاب السياسية - وربما الدول - التي تقف وراءها، بقدر يوحي بمقايضة مُعلنة: خـــدمات ومســاعدات وتيسير للأمور مقابل ضخّ سيل من الدعاية السياسية/ السلطوية الفظّة التي تتوخى، في شكل مطابق لمؤسسات سلطة البعث السوري.
هذه المؤسسات ليست للعوام، أو في شكل أكثر دقة، ليست لكل العوام بالدرجة والمستوى نفسيهما. فكل القائمين عليها ينتمون ومفروزون من قلب الأجهزة الأمنية التابعة لهذه الميليشيات المسلّحة، الأمر نفسه يتعلّق بالجغرافيا والطبقات التي ستقوم بـ «خدمتها». هذا الشيء يعني تماماً أنها ستمنح مواقع امتيازية لشبكة المنتمين الى هذه التشكيلات السياسية وطبقتهم المجتمعية التي ينحدرون منها، وسيحرمون في المقابل الطبقات المناهضة أو غير المتوافقة مع هواهم الأيديولوجي والسياسي من هذه الخدمات التي يقدمونها.
على أن أهم سمة غالبة على جميع هذه المؤسسات، أنها مؤسسات أمنية وعنفية. فعنفها وطابعها الأمني ينبتان أولاً من حرصها الشديد على الاحتكارية، والهيمنة على المجال العام في شكل مطلق. فهذه المؤسسات لا تنتمي الى عوالم المؤسسات السلطوية الموقتة التي يمكن تبديلها عبر الانتخاب وتغيّر السلطات، مثل الحكومات والبرلمانات والمجالس البلدية، بل هي مؤسسات خدمية واقتصادية لا تشعر بأية حاجة الى أية شرعية تمثيلية من «العوام». ذاك أن قوى الهيمنة التي فرضت هذه المؤسسات، تعي بأنها سيطرت على كامل «الحياة العامة» واللعبة المجتمعية. وأن سيطرتها هذه لن تخضع لعوامل التحوّل السياسي مستقبلاً.
الشكل الآخر لعنفها وسطوتها الأمنية، هو ميلها الى الإقصاء واستعمال العنف بحجة الاستثناء الخاص الذي تعيشه المناطق التي تسيطر عليها. فالإدارة الكردية سحبت رخصة عمل قناتي روداو والأورينت من مناطق سيطرتها، عبر بلاغ «أمني» صادر من جهاز تدّعي أنه ينظّم الشؤون الإعلامية في مناطق سيطرتها، «مديرية الإعلام في مقاطعة الجزيرة»، من دون أي تبرير منطقي. وحصل أن نفت صحافيين من مناطق سيطرتها، تابعين للقناتين. وما ينطبق على الإعلام في مناطق الإدارة الكردية، ينطبق على باقي المؤسسات التي تدّعي حيادها عن السياسة، وهو شأن باقي المؤسسات المركّبة من باقي الميليشيات السورية.
آخر فظائع هذه المؤسسات، هو عدم ارتكازها على أية عقــــود أو نُظم أو قوانين داخلية واضحة المعـــالم، يُستطاع الاحتكام إليها في ما لو ارتكبت هـــــذه المؤسسات انتهاكات في حق موظفيها الداخليين أو «زبائنها» الخارجيين. أما المواثيق «الأدبية» التي تدّعي أنها تخضع لها، فلا تزيد عما كانت السلطة السورية تدّعيه من امتثالها للدستور السوري. |