الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٢٩, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
اليمن: الانتصار أم الانتحار؟ - لطفي نعمان
بينما يتداعى من يتداعى إلى مناقشة فكرة "تجنيب صنعاء"، تنفعل في المقابل دعوة "تجنين صنعاء" أي توسيع نطاق آثار "الجنون المسلح" إليها، أسوةً بغيرها من "مدن اليمن القتيلة".

تناسى المنفعلون -عفوياً- أن صنعاء تحتضن أبناء مختلف المحافظات اليمنية، فيشكلون بمختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم ومناطقهم غالبيتها السكانية، كونها العاصمة الشاملة لمؤسسات الدولة وما تبقى من هيكلها وشكلها الرسمي. وفات كثيرين من المتألمين أنها مركز الجمهورية السياسي والإداري والمالي والاقتصادي والنشاط العام فيها فاعلٌ على قِلَّتِه ومحدوديته بسبب الظروف العامة، والخدمات الصحية والأساسية على ندرتها، متوافرة قياساً بغيرها من "المدن القتيلة". ولا تزال تفتحُ بصيصَ أملٍ للاجئين إليها من مدنٍ ينحرها بنوها ومحبوها ممن طوعت لهم نفوسهم "الانتحار" بقتل ونحر إخوتهم وأُخوّتهم!

ولأن الرصاص لم يلعلع فيها بعد (وإن لعلع خلال سنين ماضية)، نتمنى ألا يلعلع أصلاً، مثلما تمنينا ألا يشيع "الجنون المسلح" من كل جانب، وحتماً لم نُرِد أن يعم بعض مدن اليمن، لكن "ما كل ما يتمنى المرء يدركه".

ولأنها "مدينةٌ مفتوحة" لفرص نجاة المتضررين الآخرين، يجري النزوح إليها من كل حدبٍ وصوب. فرّ إليها ويفر المتضررون من أبناء الجنوب والشمال. جرياً على عادتها كـ"مدينة مفتوحة" لفرص بنائها من قبل رجال المناطق اليمنية الوسطى والجنوبية والغربية، فأحيوا، بمسكنهم وتعميرهم فيها، التواجد الوطني الغلاب على كل تمييز فئوي ضيق، مذهبياً ومناطقياً. وليس لأنها "المركز المقدس"، فصنعاء، كباقي المدن اليمنية، واحةُ تعايشٍ خلاق، مهما نفث وبث "المرجفون في المدينة"!

ولأن صنعاء ملاذٌ وحيد وقريب، للمتضررين اليمنيين غير المقتدرين على الخروج من البلد، يتعالى التنادي إلى تجنيبها بعيداً عن افتعال أي طيش واندفاع أليم للزج بها وسط العبث المجنون. ولئن غرّد "مغردون" بتغيير العاصمة، فليس يجدي تغييرٌ خَطِر يُفقِدُ ويُفوِت فرص النجاة ويُغلِقُ أبوابه الموارِبة.

معلومٌ أن أبناء اليمن "انتحروا" في غير مدينة يمنية، حيث لم يتلافَ أحدٌ، أو لم يُسمَح لأحدٍ بتلافي وقوع "الواقعة". والآن تلوح فرصة تلافي "واقعة" أخرى لا يجدر إضاعتها لأن "إضاعة الفرصة غصة"؛ طالما لم يقتتلوا بعد بصنعاء (مكتفين بمعارك 2011 و2014). هذا إذا نُظِر إلى الأمر نظرةً "وطنية لا حقد فيها". ونظرةً إنسانية تراعي وضع المتضررين الأولين وتتحاشى مبكراً تزايد المتضررين.

اليمنيون متعطشون لإحراز الانتصار على فعلة الانتحار. فثمة فرق بين "الانتحار" و"الانتصار".
الانتصار لليمن، كل اليمن ممكن بتجنيب صنعاء "الانتحار"، لكي يتيسر إنقاذ باقي مدن اليمن مما نقترفه جميعاً.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (1)
التاريخالاسم عنوان التعليق
30/8/15هشام احمدكيف تجنب صنعاء الواقعة
المقال جيد والدعوة لانقاذ العاصمة من الحرب محقة لكن السؤال كيف ذلك اذا لم ينسحب منها من احتلها ؟ كان ينبغي ان يجيب المقال عن السؤال

اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
الحوثيون يطردون آخر الأسر اليهودية من اليمن
الحكومة اليمنية تقر برنامجها بانتظار ثقة البرلمان
التحالف يقصف معسكرات للحوثيين بعد أيام من الهجوم على أرامكو
الأمم المتحدة: سوء تغذية الأطفال يرتفع لمستويات جديدة في أجزاء من اليمن
الاختبار الأول لمحادثات الأسرى... شقيق هادي مقابل لائحة بالقيادات الحوثية
مقالات ذات صلة
هل تنتهي وحدة اليمن؟
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
كيف لميليشيات الحوثي أن تتفاوض في السويد وتصعّد في الحديدة؟
الفساد في اقتصاد الحرب اليمنية
السنة الرابعة لسيطرة قوى الأمر الواقع: عناصر لحل سياسي في اليمن - حسّان أبي عكر
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة