أدرك أن المصالح الغربية، من أمنية وعسكرية واقتصادية واستراتيجية، تفرض على الحكومات في الولايات المتحدة الأميركية وفي الاتحاد الأوروبي الحوار والتنسيق والتعاون مع الحكومة السلطوية في مصر ــ إن بشأن الحرب على الإرهاب أو بشأن الهجرة غيرالشرعية أو كل ما بينهما من قضايا إقليمية شائكة.
أدرك أن تنامي الدعم الروسي والصيني واتساع آفاق التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي بين البلدين وبين الحكومة السلطوية في مصر يقلق الغرب، ويدفع حكوماته إلى الانخراط في علاقات حوار وتنسيق وتعاون لكي لا تغلق جميع الأبواب مع الحاكم الفرد ونظامه.
أدرك أن شرعية الأمر الواقع (وليس الشرعية التي لها أبعاد أخلاقية والتي يستحيل اكتسابها من قبل منظومة حكم / سلطة جاءت في سياق خروج على الآليات الديموقراطية في صيف 2013) التي حازتها الحكومة السلطوية في مصر (عبر تنظيم الاستفتاء على دستور 2014 وعبر تنظيم الانتخابات الرئاسية، على الرغم من النواقص الديموقراطية للعمليتين) تضغط على الحكومات الغربية لكي لا تتجاهل العلاقات مع الحاكم الفرد ولكي تقارب حكومته من منطلقات واقعية جوهرها الاعتراف بالوجود وحتمية الحوار والتنسيق والتعاون.
أدرك أن الحكومات الغربية تسعى في الكثير من الأحيان إلى المزج بين التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي مع الحكومة السلطوية في مصر وبين الحديث العلني المتواتر عن ضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات العامة وسيادة القانون، بين تشجيع شركات القطاع الخاص على الاستثمار في مصر ومرافقة الرسميين الغربيين لرؤساء مجالس إدارات الشركات الخاصة وهم يوقعون عقود التعاون الاقتصادي والتجاري والفني مع الحكومة السلطوية وبين رفع لافتة الحقوق والحريات في وجه الحاكم الفرد في المحافل الدولية.
أدرك أن بعض الفاعلين في الحياة السياسية في الغرب يقعون في مصيدة الخطاب الرسمي المصري حول الاعتدال الديني وإصلاح الفكر الديني، على الرغم من انتفاء الجوهر والمعنى والمضمون عن الدعم المزعوم للحكومة السلطوية للاعتدال الذي يستحيل أن يتبلور بعيدا من فاعليات المجتمع وقوى المجتمع المدني وليس تحت رعاية الحاكم الفرد أو في أحضان تابعيه. أدرك كل ذلك، غير أن الحكومات الغربية تُفقد حديثها عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون كامل الصدقية بالامتناع عن التعامل النقدي والجاد مع الانتهاكات والمظالم المفزعة التي تتكرر في مصر، ومع الغياب الكامل للشفافية بشأن جرائم الاختفاء القسري والتعذيب ووفاة بعض المسجونين والمحتجزين في محابسهم، ومع الاستعلاء المرعب للحكومة السلطوية في اتجاه عبثها بحق بعض المواطنين في الحياة ــ وآخرهم عصام دربالة. يفقد الغرب كامل صدقيته ويختزل دوره كداعم للسلطوية وممول لها ومؤيد لعبثها، تماما كما يفقد مدعو الدفاع عن الديموقراطية والحقوق والحريات في مصر صدقيتهم الأخلاقية والمجتمعية حين يواصلون الصمت على الانتهاكات والمظالم ويمتنعون خوفا من المطالبة بتحقيق عادل وشفاف وبمساءلة ومحاسبة للحكومة السلطوية التي بلغ عبثها بنا واستخفافها بالشعب مبلغا غير مسبوق. الانتهاكات والمظالم لن تسقط بالتقادم.
"الشروق" المصرية |