طاب للمتابعين ارتقاء المسألة اليمنية إلى حراك تفاوض بين الأطراف المعنية في اليمن وباليمن. وتمنوا عدم انتقال أجواء عِراك الأرض إلى مائدة التفاوض خارج الأرض اليمنية، فيدور التفاوض بوحي دوي صواريخ "الكاتيوشا" و"كروز" أو محركات "إف 16" وقذائف المدفعيات. الصوت الذي ينبغي أن تَصيخَ له مسامعُ المتفاوضين، وتتحاور بوحي صداه وهاتفه، صوتُ غالبية المتضررين مادياً ومعنوياً (في موازاة قلة من المنتفعين والمستفيدين معنوياً ومادياً أيضاً) من المعارك والحرب العبثية الدائرة من آذار 2015. هذه الأوضاع المأسوية سياسياً وإنسانياً، حفزت استيطان مخاوف ومشاعر القلق، نفوس المتضررين داخل العاصمة اليمنية "صنعاء"، خشية اتساع نطاق القتال والامتداد إليها. فمحافظات يمنية لا تبعد كثيراً عن العاصمة، تضاربت أنباء السيطرة -وبالتالي "تضاربت السيطرة"- عليها بين المتقاتلين الداخليين والخارجيين، فاشتعلت هواجس اندلاع العراك المسلح بين المتقاتلين اليمنيين وسط العاصمة؛ بينما انتقلت وفود (وعائلات) التفاوض من داخل اليمن الى خارجه (...)، إذ تجلى –للأسف- عدم صلاحية الأرض اليمنية كـ"حاضنة تفاوض"، رغم تمتعها بصلاحية ضغط بيد المتفاوضين خارج اليمن.
إبداء الأطراف المختلفة "مرونة سياسية" حسب تصريحات المبعوث الأممي ولد الشيخ، يسرت العودة إلى مسار التفاوض غير المستبعد أصلاً، لكن المتضررين ملآنون أملاً ألا يكون "المستبعد" خيار تجنيب العاصمة صنعاء خطوات غير محسوبة العواقب، فتستعيد لحظات سيئة عاشتها عاصمة اليمن خلال تاريخها الحديث.
العاصمة "صنعاء" ومَن تحتضن مِن المتضررين، معنوياً ومادياً، من كل أنحاء ومناطق واتجاهات اليمن، تكفيهم أضرار الضربات الجوية ومضادات الطائرات، وصور أهوال الدمار في عدد من المحافظات، ويُفترض ألا يُكافأ صبر وصمت المتضررين بافتعال المعارك داخل العاصمة كمساواةٍ ومناصفةٍ للسوءِ والضرر بين المناطق اليمنية -جرياً على "مبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب (...)"- فيتزعزع أمنهم وتتهدد حياتهم، وتُستنفد "بقايا" الخدمات الأساسية.
فات التلافي المبكر لافتعال المواجهات المسلحة داخل البيضاء، مأرب، تعز، عدن، أبين وشبوة وغيرها، إنما يتسنى التلافي المبكر لافتعال واشتعال المواجهات وسط صنعاء تحت أي مبرر سياسي وعسكري.
قد يعتبر البعض خاطرةَ "تجنيب" عاصمة البلد التاريخية والسياسية مُخاطرة العراك المسلح، رغم ما يعتمل في غيرها من المحافظات من اقتتال، ضرباً من السذاجة، لكنها تختبر قدرة الأطراف جميعاً، وبالتالي قوة، وعلى الأصح رغبة القوى اليمنية في الحيلولة دون توسعة نطاق "العدوان على حياة المواطنين"، وإزاحة أشباح الصراع القديم داخل صنعاء، تيسيراً لتفاوضٍ سياسي بنّاء يُهيئ لتقاربٍ وطني خلاق، يستعيد العملية الديموقراطية "المؤودة" من مسار الانحراف والفوضى "الخناقة".
هلاّ تفاوض المتفاوضون حيثما حلّوا حول ذلك على الأقل، ما لم يتم اتفاقهم على غير ذلك من اشتراطات مسبقة يسهل نفاذها أو يصعب قبولها. هلا يبحثون ذلك:
إدراكاً منهم لواقع بقاء العاصمة التاريخية والسياسية، ملاذ النازحين المتضررين من المحافظات والقرى الملتهبة، إذا لم يتجمد حراك التشظي والدمار.
واستشعاراً لضرورة الإبقاء على ملجأ لغير المقتدرين على مغادرة البلاد إلى الخارج فيطمئنون إلى البقاء داخل اليمن، رغم المحدق بالعاصمة من أخطار. وكذا اقتداءً ببقاء قناة "تفاوض" خارجية من بين تلك القنوات الفاعلة في المجريات داخل اليمن.
|