مشروع توسعة قناة السويس وهو المشروع الذي يحق لمصر أن تفتخر به، ويأمل الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يؤدي إلى زيادة عائدات مصر من القناة من حوالى خمسة مليارات دولار حالياً إلى 13 مليار دولار بحلول العام 2023. كما من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج القومي الإجمالي 4 في المئة هذا العام، وهي أعلى نسبة منذ ثورة العام 2011.
بالرغم من هذا الإنجاز، لا تزال أمام مصر تحديات اقتصادية كبيرة. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تبلغ الفجوة التمويلية بين احتياجات مصر وعائداتها من العملات الأجنبية 15 مليار دولار بحلول العام 2017. وقد فقد الجنيه المصري 10 % من قيمته أمام الدولار في غضون الأشهر السبعة السابقة وحدها. كما أن عجز الموازنة لا يزال مرتفعاً جداً عند حدود 11 % من الناتج القومي الإجمالي، فيما بقيت معدلات البطالة تراوح عند 13 %.
مصر تجنبت، حتى الآن، توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يجبرها على تنفيذ إصلاحات اقتصادية بوتيرة أسرع مما تريد. يساعدها في ذلك المساعدات الهائلة التي حصلت عليها من دول الخليج (والتي بلغت أكثر من 40 مليار دولار منذ العام 2011)، وبالرغم من ذلك لا يبدو الاقتصاد المصري قادراً على سدّ الفجوة التمويلية الآخذة في الازدياد.
اقتصادياً، تواجه مصر صعوبات لا يبدو النظام الجديد قادراً على وضع الحلول الكافية لها، إضافة إلى أن المؤشرات كافة تذهب نحو أن حجم الدعم الخليجي بدأ بالانحسار لأسباب عدة، منها تدني سعر النفط، وعدم تطابق الآراء السياسية بين مصر والسعودية كما كانت الحال سابقاً.
يذكرنا هذا الوضع بمحاولات نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك معالجة التحديات الاقتصادية لمصر، والتي نتجت عنها زيادة كبيرة في حجم النمو والاستثمارات الأجنبية في البلاد، لكن مع غياب فتح المجال السياسي والعدالة الاجتماعية وتطوير نظام من الفصل والتوازن، لم ينجح الإصلاح الاقتصادي في تجنيب مصر ثورة عارمة، جلبت المزيد من الصعوبات الاقتصادية حتى الآن.
النظام المصري الجديد لا يزال يصر على المقاربات الاقتصادية وحدها، من دون فتح المجال السياسي، رغم أن التجربة أثبتت عدم قدرة هذه المقاربة على تحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة. ومن يتحدث مع الشباب المصري بشكل خاص، ومن جميع الاتجاهات، يسمع عن حالة التأزيم غير المسبوقة في مصر؛ ليس فقط من ناحية إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وحبس الآلاف في السجون، ولكن أيضاً من ناحية عدم السماح للأحزاب والقوى المدنية بالتعبير عن رأيها سلمياً. وبهذا، أصبح الفضاء السياسي أكثر انغلاقاً من أيام الرئيس مبارك، وصارت الكلمة الحرة شبه ممنوعة؛ ليس إن خرجت من حناجر "إسلامية" فقط، وإنما من الحناجر كافة. ويتحدث العديد من الناشطين المصريين من فئة الشباب عن حالة مقلقة من الاحتقان، إن تحولت مجدداً إلى احتجاجات في الشارع، فإنها لن تكون سلمية (لا سمح الله)، لأن فئة الشباب تفقد الأمل، بشكل متزايد، في نجاعة الاحتجاجات السلمية.
لا تزال غالبية الأنظمة العربية غير قادرة على التفرقة بين عدائها للإسلاميين، وبين ضرورة محاكاة المشاكل الحقيقية التي تعتري المجتمعات العربية، بما في ذلك الحاجة إلى حوارات وطنية جادة. وقد بُحَّت أصوات عديدة يطالب أصحابها ببعض التبصر، وبانفتاح سياسي تدريجي، يؤديان إلى عقد اجتماعي جديد، يلزم الإسلاميين والمدنيين بقواعد جديدة تُحترم فيها الآراء السلمية المختلفة، ولا تتغول فيها سلطة على أخرى، وتكون معالجة الأمور فيها شاملة، وليست أمنية أو اقتصادية بحتة... ويستمر الحلم.
وزير الخارجية الأردني الأسبق جريدة "الغد" الاردنية |