الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢١, ٢٠١٥
الكاتب: زياد ماجد
المصدر: nowlebanon.com
هل هي طبيعيّة فعلاً؟
يتساءل أصدقاء وزملاء عربٌ وغربيّون عن سرّ استمرار الحياة في لبنان على شيء من طبيعيّتها، أو لنقل على ظاهر طبيعيّتها، رغم شغور موقع رئاسة الجمهورية، ورغم انتفاء العمل التشريعي بعد تمديد المجلس النيابي لنفسه، ورغم الانقسامات داخل الحكومة وظهور الأخيرة بمظهر تصريف الأعمال، ورغم وجود أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ، ورغم مشاركة حزب مذهبي لبناني في حرب ضارية خلف حدود البلد ضدّ إرادة قسم كبير من مواطنيه.

والحقّ أن لا جواب واحداً يُقدّم على التساؤل هذا. فلو حاولنا التفكير في ما يحول اليوم دون الانهيار اللبناني أو الانفجار الكبير، لتبيّن لنا أننا أمام مجموعة عوامل داخلية وخارجية، يمكن ذكر بعضها هنا.

فهناك أوّلاً التوافق الضمني الإيراني السعودي على تجنيب بيروت تبعات الصدام الإقليمي بين طهران والرياض بعد أن تحوّلت سوريا واليمن الى ساحتيه الرئيسيّتين.

وهناك ثانياً التوافق الطوائفي السياسي اللبناني على تجنّب الأسوأ، والتصرّف كما لو أن الأمور معلّقة راهناً، وعلى الجميع تصريف أعمال مؤسّسات الدولة ومرافقها الخدماتية وإطلاق عمل أجهزتها الأمنية لضبط الأوضاع في "البؤر المُحتقنة" بانتظار الفرج الإقليمي.

وهناك ثالثاً الميل "المعتدل" والمُسالم لأكثرية السُنّة اللبنانيّين وممثّليهم السياسيّين الذي عزل الجماعات التي كان يمكن أن تنادي بالجهاد للردّ على حزب الله الذي يمارس جهاده في سوريا منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

وهناك رابعاً ضعف النظام السوري إلى حدّ يحول دون استمراره في محاولات التفجير لبنانياً، خاصة بعد افتضاح قضية ميشال سماحة وما رافقها وتلاها من ملابسات.

وهناك أخيراً مزيجٌ من عوامل اقتصادية داخلية وعربية ودولية تخفّف من الآثار السلبية مالياً للأزمات المتناسلة، وتساعد اللاجئين، وتقلّص أعباء الخزينة العامة للدولة.

هل هذا يعني أن الأمور مقبولة أو أنها ستستمرّ على هذا النحو طويلاً؟ بالطبع لا.

ففي العوامل المذكورة عناصر يمكن أن تتحوّل في ذاتها الى صواعق تفجير. ومظهر الأمور الطبيعي الناجم عنها اليوم يمكن أن يتبدّل بعد حين، وهو في أيّ حال مظهر عام ("ماكرو") يُحوّل نظر المراقب من بعيد عن المظاهر الخاصة أو التفصيلية ("الميكرو") التي بدأت منذ مدّة تؤشّر الى "لا طبيعية" زاحفة ببطء، ليس تزايد الجرائم وحوادث القتل والانتحار ووصولها حدود الوحشية التي اتّخذتها جريمة الجمّيزة مثلاً سوى دلائل على بدء تفشّيها. وما يُنذر بمضاعفة مخاطرها مستقبلاً هو استفحال الفساد وتراجع سلطة القانون وفلسفته وتمتّع بعض مرتكبي الموبقات بالحصانة.

على هذا الأساس، يمكن القول اليوم إن لبنان يستمر في تجنّب الأسوأ رغم الشغور الرئاسي والتردّي المؤسّساتي فيه. وتجنّب الأسوأ أصبح منذ سنوات غير قليلة هو "حالته الطبيعية" أو "شبه الطبيعية" التي تثير فضول مراقبين وزوّار كثر، ما زالت بيروت تُدهشهم بحيّويّتها وصخبها، رغم قسوتها على الكثير من أبنائها وبناتها والنازحين إليها، ورغم بُعدها ساعتين فقط عن المذبحة المتواصلة في سوريا...


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
فلسطين العصيّة على الممانعة والتطبيع
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
عن بكركي والمعارضات اللبنانية
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة