الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٩, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
ديموقراطية مصرية تبدأ من المجالس المحلّية - خالد عزب
التطورات المتلاحقة في مصر تُقدِّم مثالاً عن السياسات الواقعية والأحلام الواهية، فمرور الوقت يدمّر أحلام جماعة «الإخوان المسلمين» في العودة إلى السلطة مرة أخرى، فيما يكسب النظام الحالي تعاطفاً متزايداً نتيجة التهديدات الأمنية من جانب، والنجاح الاقتصادي النسبي من جانب آخر. لكن تبقى المعضلة السياسية التي سيُحلّ جانب كبير منها بانتهاء الانتخابات البرلمانية.

وتكشف تساؤلات الشارع المصري عن مستقبل بلده، توقُّعات بتغيُّر وجه مصر خلال السنوات المقبلة، وعلى رأسها إجراء تعديلات على الدستور الحالي لينتقل نظام الحكم إلى الرئاسي مرة أخرى، مع الحد النسبي من صلاحيات الرئيس لمصلحة رئيسي الوزراء والبرلمان، وتقييد سلطة البرلمان نسبياً في اختيار الوزراء، إلى التصويت على الثقة في الحكومة ككل. هذه التعديلات ستتيح استقراراً سياسياً في ظل ضعف القوى السياسية في الشارع.

وفي الجانب الآخر، تشهد جماعة «الإخوان المسلمين» أزمة شرعية وأزمة وجود وأزمة صراع، وتأتي المشكلة من أنها لن تواجه النظام السياسي كي تعود مرة أخرى إلى العمل العام، إنما تواجه امتناع الشارع المصري عن قبولها، فخطاب العنف والتحريض الذي يطلقه عدد كبير من أعضاء الجماعة، جعل العنف والإرهاب قرينين لها، فضلاً عن أن تزايد أعداد الضحايا يجعل فكرة المصالحة تزداد صعوبة.

التحدي الحقيقي لجماعة «الإخوان المسلمين» في المرحلة المقبلة، هو تحدّي بقائها من عدمه، إذ إن وجودها يفقد معناه بعدما صار كيانها هلامياً غير محدّد الملامح، وعليه فلن تعود كما كانت، بل المتوقع هو انشقاقات حادة ستحدث مع طرح فكرة المصالحة الجدية، إذ إن التشدّد المفرط لدى الجماعة يجعل الطرف المعتدل في مأزق شديد مع أنصاره أيضاً.

إن عدم وضع تعريف محدّد لجماعة «الإخوان» يتناول ماهيّتها، يجعلها دولة داخل الدولة، وهو أمر غير مقبول على صعيد نظم الحكم بمفهومها المعاصر، لذا فإن حلّ الجماعة هو الحل المثالي لمستقبل المشروع المصري البديل للمنهجية الغربية، خصوصاً مع نجاح مفرط لنماذج بديلة كالنموذج الصيني، وطرح تساؤلات حول مستقبل الديموقراطية في الغرب.

هل يمكن أن تعيد الجماعة بناء طبيعتها وتطوّر آليات تفكيرها؟ في الحقيقة، الأمر شبه مستحيل، لأن الجماعة نشأت وظلّت مغلقة على نفسها، وبالتالي لم تستطع مع الأزمات المتلاحقة التي مرت بها منذ الخمسينات، إعادة بناء نفسها في صورة تجعلها كياناً له قبول عام ويعدُّ جزءاً من المجتمع والدولة، وليس بديلاً للدولة التي يسعى إلى السيطرة عليها.

يبرز ذلك ابتداء من فكرة وجود مرشد للجماعة. هذا المنصب الوهمي الذي يعادل لدى الجماعة «الخليفة» في النظام السياسي الإسلامي، وهو نظام يُستدعى بمقولات تاريخية سقطت مع اغتيال آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب. وفي الوقت نفسه يغفل هؤلاء عدم تعارض نظم الحكم المعاصرة مع مقاصد الحكم في الشرع الإسلامي، خصوصاً أن فكرة الخلافة تستدعي في الذهنية بقاء الحاكم على كرسي الحكم حتى وفاته، وهي فكرة لم تعد مقبولة في مصر بعد انتهاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي استمرّ ثلاثين عاماً.

في الجانب الآخر، ستشهد مصر خلال السنوات العشر المقبلة تغييرات جذرية في بنية السلطة، إذ إن المرحلة الحالية تعدّ تأسيساً للمستقبل، وسيتصاعد دور النقابات المهنية والمجتمع المدني في الحياة العامة، كما أن إصلاحات جذرية ستؤدي إلى انتخاب العُمد ورؤساء الأحياء والمدن، مع توسُّع في سلطات المحليات والدور الرقابي للمجالس المحلية، ما يؤدي إلى صعود أجيال جديدة من السياسيين، وهذا كلّه سيقود إلى تغيّر المشهد السياسي في مصر.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة