تقرر سلفاً أن تنعقد مشاورات جنيف اليمنية على مدى أربعة أيام 14-18 حزيران 2015، ثم تأجلت يوماً واحداً بسبب تأخر وصول بعض الوفود المشاركة، ثم وصل مبعوثو الرياض وتأخر موفدو صنعاء بتأثير معين وتقنية خاصة، المهم هو التمديد المنطقي لمدة المشاورات نتيجة "تأخير" وصول وفد صنعاء إلى جنيف نهار 16 حزيران بعد "رحلة متعسرة" مدت المشاورات إلى تاريخ 20 حزيران! كان منتظراً أن يشهد العالم تشاوراً –لا تحاوراً- بين جانبين وطرفين "يمنيين" يُنهي المأساة الراهنة؛ لكن الحوار غير مطلوبٍ، بل غير مجدٍ الآن، بين طرفين "يمنيين" منفعلين بظروفهما المحيطة ومرئياتهما المسبقة، لا يقبلان بعضهما وتبعاً لذلك لا يقابلان بعضهما، وانطبق عليهما غنائية حسين المحضار:
"كل واحد مننا ماسك من السكة طرف، لا هدف لي فيك يظهر لي ولا لك شي هدف وانتهى المشوار كله ما تلامسن "الكفوف"!
وفعلاً "ما تلامسن كفوف" الطرفين هناك. ثم إن كلاً على حدة التقاه مبعوث أمين عام الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ أحمد بعدما انفرد طرف واحد، الوفد المبعوث من الرياض، بلقاء أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون قبل سفره من جنيف وتعذر لقاؤه بالطرف الثاني القادم من صنعاء كما هو معروف. فاستهوى الطرف الأول الترويج لقولة إن "طابع المشاورات من طرف واحد (...)" كما الحب من طرف واحد، و"الحرب" من طرف واحد!
واكبت مشاورات جنيف الشائعات أكثر من الحقائق، ونسجت حولها وقائع جانبت الواقع المشهود لدى حضور جنيف. وسطعت الحقيقة "الأثبت" عن تفاصيل اللقاءات الأممية –لا سيما مبعوث الأمين العام- مع كل طرف يمني على حدة، أجملها المبعوث الأممي بأن "الأطراف جميعاً تتشبث بموقفها".
لا جدال حول "التشبث" الواضح في تصريحات الأطراف جميعاً. بيد أن ما في "متناول يد" كل منهما، ليس نقاط الاتفاق الابتدائي المعروض من المبعوث الأممي ولد الشيخ، بل "تتناول يد" كل طرف ما يعتقده موقفاً سليماً يتشبث به وفق تقديره. لكن الأطراف المعروفة للعيان تستعير بفعلها تشخيصاً للمفكر اللبناني الدكتور أحمد بيضون عن إحدى الظواهر اللبنانية التي تماثلها "اليمننة"، ألا وهي: "اقتران الفشل بالتشبث الدافع إلى افتعال" فعلات غير مرجوة لعامة اليمنيين (...).
وإذ يتسنى إعطاء لمحة تقريرية شاملة لطبيعة ما دار من مشاورات أولية، لم يكن متوقعاً إفضاؤها إلى نتيجة مرضية للجميع، فالصورة هي: إن كلاً أدلى بدلوه، أفرغ جعبته، أشهر حجته، صب دموعه، مد مهمته، وشرح موقفه. الذكي من تحاشى معاداة ومجابهة طرف يمني. والأذكى من تحدث قليلاً في حدود الممكن عن امتلاء لا خواء.
والراسخ مَن راهن على تقديرات دقيقة للدائر على أرض اليمن. والأرسخ من حدد طبيعة وسمة مجموع المكونات دون حرص على ترؤس الوفد.
والأنبل من تناول الوضع الإنساني ولام التخاذل إزاء هذا الوضع. بخلاف من التزم تصيد ما لا ينفع ولا يشفع لتقديراتٍ كما الواقع الذي "ليس له عقلٌ ولا منطق".
مع الاحتفاظ بحق "التشاؤل" المخيم من قبل رحلة جنيف، يجدر القول أيضاً:
من خير ما صدر عن المتشاورين المتعقلين، ممن يودون لوطنهم الخير حقاً، بأن شرعوا باب "التفاؤل" معتبرين "مشاورات جنيف" أساساً يتسنى البناء عليه مستقبلاً. لا سيما "وعاد المراحل طِوال"!
|