الخميس ٢٨ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ١٩, ٢٠١٥
الكاتب: زياد ماجد
المصدر: nowlebanon.com
سماحة ومرسي وإصلاح القضاء
حدثان "قضائيان" في لبنان ومصر قدّما صورة عن أحوال قانونية وسياسية مهترئة في منطقتنا، وذكّرا بأن إصلاح القضاء واستقلاليته مهمّة لا ينبغي التأخّر في الخوض بها وفي تنظيم الحملات بخصوصها.

ففي لبنان، أصدرت المحكمة العسكرية قراراً قضى بسجن الوزير السابق ميشال سماحة، المُدان بجريمة نقل عبوات ناسفة وأموال من دمشق الى بيروت بهدف تنفيذ تفجيرات وقتل مدنيين وروحيين واغتيال سياسيين، والمُعترِف بجريمته والموثَّقة تعليماتُه في ما يخصّ نشر الارهاب بالفيديو، مدة أربع سنوات ونصف فقط. ولم تأتِ المحكمة (بالطبع) على ذكر من زوَّد سماحة بالعبوات الناسفة وعدّة القتل، اللواء في المخابرات السورية علي مملوك، ولا راعي العملية والمسؤول عنها بحسب سماحة نفسه بشار الأسد.

وبما أن سماحة قد أمضى قرابة الثلاث سنوات في السجن حتى الآن، فالمتبّقي أمامه هو سنة وبضعة أشهر لا غير، في حين إن ما قام به قد يرقى الى الخيانة العظمى، أو على الأقل الى التخطيط لأعمال إرهابية وإجرامية والمباشرة في تنفيذها (إذ إن وقف التنفيذ جرى من قبل المخبر ميشال كفوري)، بما يستحقّ عقوبة السجن لعقود.

أما في مصر، فقد حكمت محكمة جنايات القاهرة على الرئيس محمد مرسي بالإعدام. ومرسي، الرئيس المدني الوحيد والمنتخب ديمقراطياً في التاريخ المصري، خلعه انقلاب عسكري قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وتخلّله قتل لمئات المدنيّين المعتصمين في أكثر من ساحة عامة، وتبعه توقيف لآلاف الناشطين السياسيين الإسلاميين ولمئات اليساريين والمستقلّين ممّن أطلقوا الثورة ضد حكم مبارك في مطلع العام 2011.

وقرار المحكمة هذا يأتي بعد أكثر من ألف قرار إعدام مشابه بحقّ أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين أو مناصرين لهم جرت "محاكمتهم" بتهم مختلفة، وفي وقت عرفت فيه محاكمات الرئيس الأسبق حسني مبارك وعدد من معاونيه قرارات تبرئة أو إدانة خجولة بدت استكمالاً للثورة المضادة التي أنجزها الانقلاب صيف العام 2013.

ماذا نستخلص من هذين الحدثين "القضائيّين"؟

أوّلاً، أن الحديث عن إصلاح القضاء وتأمين استقلالية السلطة القضائية ليس قضية تقنية ولا هو يأتي بعد الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطروحة أو المطلوبة في منطقتنا. بل هو أولوية الأولويّات، فلا معنى لأي تغيير إن لم يكن القضاء من بعده مرجعاً يحتكم الناس إليه فيُعيد لهم الثقة بالقانون وبفلسفة العدالة.

وهذا يتطلّب بالطبع حملات مدنية وضغطاً يقوم به القانونيون المستقّلون، وتواصلاً مع المؤسسات الحقوقية الإقليمية والدولية ووسائل الإعلام. وليس الأمر بالسهل ولا هو قابل للتحقّق سريعاً في ظل معظم الأنظمة السياسية القائمة. إنما لا بدّ من التركيز عليه واعتباره شرطاً شارطاً لتحصين أي إنجاز سياسي أو مجتمعي.

ثانياً، أن كفّ يد القضاء العسكري عن الشؤون غير المتعلّقة بالعسكريّين أمر ملحّ. فكفاءة المحاكم العسكرية علمياً مشكوكٌ بها، ولا شأن لها أساساً في شؤون المدنيّين، فكيف وأنها جزء من تركيبات سلطوية في عدد من البلدان حيث ما زالت نخب عسكرية تمسك بالحكم وتستخدم جميع الأساليب للتنكيل بخصومها.

ثالثاً، إن عقوداً طويلة من النظم الشمولية والفساد و"قوانين" أجهزة المخابرات نخرت الأجسام المؤسساتية بمعظمها، ونخرت أيضاً الكثير من العقول التي صارت تبرّر أحكاماً فضائحية ترقى في ذاتها الى حدود الجرائم.

الحُكمان على سماحة ومرسي يذكّراننا إذاً، على اختلافهما، بهشاشة قوانين ومطواعية محاكم لإراداتٍ سياسية ومخابراتية. ومواجهة هذا هي مهمّة تختصر لوحدها اليوم الكثير من مهام الكفاح ضد الاستبداد والطغيان.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
فلسطين العصيّة على الممانعة والتطبيع
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
عن بكركي والمعارضات اللبنانية
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة