الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ١٦, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
خيارات النظام المالي للنفط والغاز في لبنان: الصورة العامّة - كارول نخلة
ما زالت الشكوك والانتقادات تحيط باختيار لبنان للشروط والاستراتيجيّات الماليّة لجهة منح تراخيص النفط والغاز في مرحلة الاستكشاف والانتاج. وهذا ليس مفاجئًا، نظرًا إلى أن هذه التجربة جديدة كليًّا في لبنان، هذا البلد الّذي لطالما عانى من الجمود نتيجة للخلافات السياسيّة.
 
يزيد من تعقيد الوضع واقع أنّه ما من استراتيجيّة مثاليّة يمكن لبنان اتّباعها. إلاّ أنّه ثمّة بعض المبادئ الإرشاديّة المعترف بها دوليًّا. وعلى صانعي السياسات التمعّن في تجارب الدول الأخرى والتعلّم من نجاحاتها كما من إخفاقاتها. لكن لكلّ بلدٍ فرادته، وعليه تصميم خيار الاستراتيجيّات بحسب حاجاته، وأهدافه، وشروطه.

وقد اتّسم النقاش الدائر حول النظام المالي لقطاع النفط في لبنان بمبالغة في التركيزعلى أداة واحدة هي الإتاوة. فأدان البعض معدّل الإتاوات "المتدنّي" الّذي اختارته البلاد، سيّما عند مقارنته بإسرائيل. ويمكن تفسير هذا الموقف بالفهم المحدود لما ينطوي عليه النظام المالي فعلاً. ذلك أنّ الإتاوة لا تمثّل سوى بندٍ واحدٍ ضمن قائمة طويلة من الأدوات المالية وشبه الماليّة. إلى ذلك، فإنّ إسرائيل قد اختارت ترتيبًا يُعرف بنظام الامتيازات، وهو يختلف بتركيبته الإجماليّة وطريقة عمله عن اتفاقيّة المشاركة في الإنتاج الّتي اعتمدها لبنان. فتفاعل العناصر المختلفة جميعًا هو ما يجب أخذه في الاعتبار لتقديم النظام المالي. فلا شكّ في أنّ حصر النقاش في اختيار الضريبة الرئيسية ومعدّلها للحكم على النظام ينمّ عن محدوديّة. والأسوأ من ذلك هو أنّ الاكتفاء بأداة واحدة، أي الإتاوة في هذه الحالة، لإجراء التقويم، هو بكلّ بساطة غير دقيق.

لا شكّ في أنّ الضريبة النفطيّة أمر في غاية التعقيد والتفرّع، إلى كونه دائم التطوّر. وهي تتأثر وتتبلور بحسب مجموعة من العوامل المتعدّدة الجانب، منها الجيولوجيّة والتقنيّة وعوامل السوق، بالإضافة إلى التأثيرات السياسيّة غير المستقرّة والّتي لا يمكن التنبّؤ بها. وعند تصميم نظام مالي، لا بدّ من الأخذ في الاعتبار الظروف المتّصلة بالمنطقة التي يتواجد فيها النفط والغاز، إذ لا يمكن تبرير تخصيص حصّة كبيرة للحكومة في الحالات الّتي ترتفع فيها مخاطر التنقيب وكلفة التطوير.

في ما يتعلّق بمنح التراخيص، اختار لبنان إجراء المناقصات التنافسيّة، فتشارك الشركات المؤهلة لخوض المرحلة الأولى في مزادٍ، وتُمنح الحقوق لأعلى مزايد. ويُذكر أنّ هذه الاستراتيجيّة أصبحت المفضّلة والأكثر اعتمادًا في العالم. ويُرجّح لشعبيّتها أن تستمرّ، سيّما أن العديد من المنظّمات غير الحكوميّة تروّج لاستخدامها بحجّة أنّها تمثّل الإجراء الأكثر شفافيّةً.

غير أنّ نجاح المناقصة أو فشلها يعتمد إلى حدّ كبير على تصميمها والتزام الحكومة بالشفافية، إذ يجب منح الحقوق في جوٍّ من الانفتاح، وبحسب أعلى معايير المهنيّة والالتزام بالممارسات الدوليّة، وهي مسائل تشغل الكثيرين في لبنان. ويُضاف إلى ذلك أنّ اختيار معلّمات المناقصة هو من القرارات الأساسيّة التي تواجهها الحكومات المضيفة عند تصميم المناقصة. فبعد التحقق من وثائق اعتماد المستثمرين المحتملين، وتحديد الشركات المؤهلة للمرحلة الأولى، تُحبّذ الممارسة الدوليّة الجيّدة وضع عدد محدّد من المعايير المعيّنة بوضوح لمنح الترخيص. ويوصى بذلك بشكل خاص في البلدان المحدودة الخبرة في مسائل النفط والغاز والمحدودة القدرات الإداريّة، على غرار لبنان.

وحتّى في بلدان مثل الولايات المتّحدة، الّتي لها خبرة تفوق القرن من الزمن في مجال النفط والغاز، يمنع التشريع استخدام أكثر من متغيّرة واحدة في المناقصة. أمّا في لبنان، فيكمن أحد الشواغل في نية اعتماد ثلاثة عوامل مناقصة، اثنان منها هما من المعلّمات الماليّة المهمّة: حدود لما يمكن للشركات المطالبة به ككلفة سنويًّا (أي "سقف استرداد الكلفة") وتشاطر الربح بين المستثمر والحكومة (نفط الأرباح)، بالإضافة إلى برنامج العمل المقترح الشائع الاستخدام.

في ما يتعلّق بترسيم حدود الرقع، طُرحت الأسئلة حول ما إذا كانت الرقع التي ينوي لبنان عرضها للمناقصات كبيرة جدًّا. وحول ما إذا كان يتعيّن عرض جميع الرقع دفعةً واحدة. لكنّ أحجام الرقع البحريّة في لبنان لا تشذّ عن الحدود المعقولة، ولا توجد في الواقع صيغة محدّدة لتقسيم المساحة إلى رقع. ولاختيار أحجام الرقع يتعيّن الأخذ في الاعتبار عوامل عدّة، لا سيّما منها نوع الصفقة (مثلاً: بريّة، بحريّة، سطحيّة، عميقة)، ومستوى التنافس، ومدّة الترخيص، وأحكام التخلّي الّتي تحدّد النسبة من الرقعة الّتي يتعيّن على المستثمرين إعادتها للحكومة عند نهاية كلّ من المدد المحدّدة في رخصة التنقيب. وعلى سبيل المثال، فإن المستوى العالي من التنافس بين المستثمرين المحتملين، والإمكانات الجيولوجيّة الجذّابة، كما في حالة وجود حوض مؤّكد، و/أو اعتماد قاعدة متساهلة للتخلّي تتيح للحكومة عرض رقع أصغر حجمًا. وفي المقابل، تميل الرقع المعروضة لأن تكون أكبر للحدّ من المخاطر التجاريّة عندما يكون الاهتمام محدودًا، وحيث ترتفع المخاطر الجيولوجيّة، كما في المناطق الحدوديّة حيث قد تُعتبر قاعدة التخلّي قاسية من وجهة نظر المستثمر.

ويُنصح ألاّ يطرح لبنان كامل أراضيه للتنقيب والاستغلال في الوقت نفسه. فمن خلال العرض التدريجي للرقع، تحتفظ الحكومة بالمرونة للقيام ببعض التغييرات من حيث شروط التراخيص المستقبليّة، بعد الحصول على معلومات جديدة.

وإذا نجحت عمليّة إرساء قطاع النفط والغاز، من المحتمل أن تقزّم أي قطاع آخر في الاقتصاد اللبناني. ولكن لتحقيق هذا النجاح، يتعيّن أولّاً استيفاء بعض الشروط. فمن بين الخطوات الأوليّة نذكر إرساء نظام مالي بسيط وإنّما صلب ومستقرّ ويتمتّع بالتنافسيّة على الصعيد الدولي. إلى ذلك، يجب أن يرتكز أي تقويم لهذا النظام على تحليل موضوعي وسليم وشامل. وعلى الحكومة أيضًا أن تلتزم بمسار شفّاف لجهة توزيع التراخيص.

نهايةً، فإنّ السؤال الّذي يجب أن يطرحه المطالبون بزيادة معدّل الإتاوة هو التالي: في ظل هذه الظروف، هل يجب أن نتوقّع من شركات النفط الأجنبيّة أن تستثمر في لبنان، وهو يمثّل منطقة غير مستكشفة، تعاني من عدم الاستقرار على الصعيدين المحلّي والإقليمي، إضافةً إلى ضعف المؤسّسات – لا سيّما خلال مرحلة تتراجع فيها أسعار النفط وتزداد المنافسة من المناطق الأخرى؟

مديرة كريستول إنرجي (المملكة المتّحدة) وباحثة مشاركة في المركز اللبناني للدراسات



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة