أطلقت على المخيمات الفلسطينية أسماء من صلب التاريخ العربي منها أسماء معارك كاليرموك وحطين أو اسماء رموز، لكن الخيمة تحولت الى بيت وطال الانتظار حتى صدئت المفاتيح كلها، أما العودة فقد تغيّرت بوصلتها وكذلك الحنين، فالعودة الى مخيم والحنين الى مخيم آخر سبقه والمتوالية تمضي نحو نهايات لم يحلم بها غير الاحتلال.
صعب حتى الآن على من يقف على عتبة اليرموك ان يقرأ السلام، فاللائذون الذين حوّلهم التاريخ الى ملاذ واللاجئون الذين اصبحوا ملجأ، هم الآن عالقون وليسوا لاجئين أو نازحين أو مهاجرين، انهم ليسوا هنا وليسوا هناك وكأنهم الأعراف الذين يقيمون فيما سماه «دانتي اللمبو» بين جنة الوطن وجحيم المنافي.
هل هذا هو الوعد الذي تلقاه هؤلاء منذ اكثر من ستة عقود بحيث اطمأنوا لذوي القربى وتكاثروا حتى تضاعفوا عدة مرات ؟ ما حدث يتجاوز أ وصف محتمل لهذه التراجيديا، فالمخيم اصبح يبحث عن مخيم ومن لجأ من إسرائيل مرة يلجأ الآن من بني جلدته مرات ومرات، والطريق الى البرازيل وفنزويلا ونيوزلندا اقرب من الطريق الى مساقط تلك الرؤوس التي اصابها الدوار وهي تتساءل عمّ اقترفت كي تُعاقب، طُردوا وهُمّشوا وقتلوا تارة باسم الثورات التي اكلت ابناءها واستطالت انيابها لتأكل حتى احفادها، وما حدث هو ان اللاجئ ازداد لجوءا ولم تعد حتى حرية المنفى مُتاحة.
من نهر البارد الى كل الانهار الدافئة والسّاخنة التي تبخّرت وظمئ من يعيشون على ضفافها حكاية سندبادية من طراز آخر، وتغريبة ليس هناك بعد من يتولى روايتها، فالمخيم الذي قال عنه محمود درويش انه حين يبتسم تعبس المدن الكبيرة، نسي الابتسامة منذ زمن طويل لأنه أصيب بجرثومة اليأس التي لا علاج لها غير قيامة لم تعد وشيكة.
لقد تبدلت دلالات الكلمات فلم تعد العودة الى مسقط الرأس بل الى مخيم آخر، وقد تكون الخيمة من حجر أو حتى من رخام لكنها تبقى خيمة في مهب عواصف السياسة والنزاعات الطائفية، لهذا سخر غسان كنفاني ممن كانوا يفاضلون بين خيمة بعمود وخيمة بعمودين لأن المصير واحد.
فهل يبقى حطين حطينا واليرموك يرموكا بعد كل هذا الموت والحصار حيث خلف الرومِ رومٌ ومن كل الجهات؟
الدستور
|