يبدو أن لسان حال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يقول: اللهم اكفني شر إعلامي... أما إعلام أعدائي فأنا كفيل به. إعلام الإخوان ومناصريهم وداعميهم والمتحالفين معهم سهل تفنيد ما يبثه أو ينشره، وكشف أكاذيبه وفضح فبركته، والرد على مزاعمه وادعاءاته، أما الإعلام المحيط بالسيسي والمحسوب عليه فلا يكاد يمر شهر من دون أن يورطه في أزمة مع حاكم لبلد شقيق أو دولة حليفة، أو يفسد ما يحاول الرجل بناءه أو تشييده!
فهذه مذيعة تغلق الهاتف في وجه سفير دولة تسعى مصر إلى حل تناقض معها، والأخرى تفتي بأن اقتصاد هذا البلد العربي الشقيق قائم على الدعارة! فتجد مصر نفسها في مواجهة معضلة لا بد من علاجها من دون أن يكون لأي مسؤول سبب فيها، أما هذا المذيع أو ذاك فيصفي حساباته مع بلد آخر بكلام ومواقف و»حركات» ليس من اللائق أصلاً أن تصدر من إعلامي. واللافت أن هؤلاء المحسوبين على السيسي تجد أحدهم أو بعضهم ينقلبون عليه، وينتقدون سياساته أو تصرفاته أو كلامه في حدة إذا ما خالف توقعاتهم بقرار أو فعل، أو موقف يأتي على هواهم!
يعاني الإعلام في مصر مشكلة كبيرة لكنه أيضاً يتسبب في مشاكل أكبر، باختصار نستطيع أن نصف ما يجري في الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية بأنه فوضى كبيرة، وإذا كانت البلاد تخطت، وبصعوبة بالغة، مرحلة الفوضى الأمنية والمجتمعية والسياسية التي ضربتها بشدة إثر تداعيات ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 فإنها ما زالت تغرق في الفوضى الإعلامية، حيث لا معايير للتقويم، ولا مجال للتقويم، ولا حساب لمخطئ، ولا قواعد مهنية، ولا أسس للموضوعية، ولا رقيب على أموال تنفق في صناعة تحقق دائماً الخسائر، ولا حتى «كتالوغ» يحدد خطوات تأسيس صحيفة أو إطلاق قناة أو إغلاق إحداهما أو كلاهما، ولا يمكن أن تعرف كيف أصبح هذا كاتباً أو ذاك مذيعاً، وأنت تقرأ للأول فلا تفهم أو تستمع للثاني وتشاهده فتصاب بالصدمة.
اللافت أن أكثر من ينتقد أحوال الإعلام والصحافة هم الإعلاميون والصحافيون أنفسهم، لكن من دون جدوى. أدرك رجال الأعمال والإعلاميون والسياسيون وكذلك السلطة أن تأثير الإعلام في ثورة 25 كانون الثاني كان كبيراً، وأن دور الإعلاميين في 30 حزيران 2013 كان عظيماً، فزاد نفوذ الإعلاميين وتعقدت حسابات السلطة التي تخلت، عقب سقوط حكم الإخوان عن الإعلام الرسمي، وكأنها تتبرأ منه، ففقدت ظهيراً مهماً، وصارت تغرد بلا صوت، وتطير بلا أجنحة، وتسير بلا أقدام. ربما أراد السيسي تفادي تجربة الإخوان الذين أسسوا إعلامهم الخاص بهم، وقنواتهم «الإسلامية» التي أفسدت الإعلام، وكفرت المعارضين، وحرضت على المعترضين.
وكان لافتاً مثلاً أن المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ لم يبحث في مشروع إعلامي، أو تطوير للبنية الإعلامية، وانصب الاهتمام على مشاريع التشييد والبناء والكهرباء والطاقة! حال الإعلام الرسمي الآن لا يسر أحداً، فالتلفزيون يكاد يكون خرج من المنافسة، على رغم الكفاءات والخبرات والإمكانات التي يمتلكها، والصحف تعاني ديوناً وأوضاعاً مالية صعبة أثرت في محتواها وقدرتها على المنافسة، فهرب صحافيون منها إلى حيث الصحف الخاصة، التي يملكها رجال أعمال وزعوا اهتماماتهم ما بين الصحافة والفضائيات. وتسبب استبعاد بعض الكتاب، أو وقف بعض البرامج، في ترسيخ الاعتقاد بسيطرة الدولة على الإعلام، ناهيك بالطبع عن تحدث بعض الإعلاميين باسم السيسي وترويج صورهم معه في لقاءات تجمعهم به. في المقال يسود اعتقاد بين بعض الإعلاميين والصحافيين، وربما السياسيين غير المصريين، بأن هؤلاء يتحدثون نيابة عن السيسي، ويتخذون مواقفهم بإيعاز من أجهزة الدولة، ولا يدركون أن المسألة امتداد لفوضى ضربت البلاد بفعل الثورة، وتداعياتها أفرزت إعلاماً اتجهت فيه بعض الصحف والفضائيات إلى غسل سمعتها، أو قل ماضيها، عبر بعض الناشطين، فحولتهم إلى كتاب ومذيعين، بينما استثمر آخرون من أبناء المهنة السياسة واحترفوها فتحولوا إلى ناشطين ولكن أمام الكاميرات وفي الاستديوات وفي مواجهة المصابيح والكشافات.
كان الأمل في تفعيل مواد الدستور التي تنص على تشكيل ثلاث هيئات تشرف على الإعلام وتنظيمه، وتتولى إجراء تأسيس الصحف والقنوات لكن الأمر ما زال معطلاً. المحتوى المهني يتجاوز أيضاً خطورة التأثير السياسي فكان طبيعياً انتشار برامج تسعى إلى الإثارة أو تزرع الفتنة أو تضرب الأخلاق لتحقيق الرواج وترفع نسب المشاهدة والإعلانات، أما تدني المستوى المهني فينعكس في مذيع يذهب إلى قاعة محكمة ليسأل أهل القاتل المحكوم بالإعدام عن مشاعرهم وينتظر منهم هتاف: «يحيا العدل»! |