ربما هذه المرة الأولى التي يتحرك فيها النظام الرسمي العربي بشكل مستقل، وبمبادرة منه، وبطريقة عملية، لإثبات ذاته إزاء ما يتهدده من مخاطر، من دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة؛ كما حصل في سابقة تحرير الكويت (1991). بل قد يصحّ القول ان هذا المسعى يستهدف قطع سياسات الإدارة الأميركية المساومة، والمتعلقة بإنشاء تفاهمات جديدة مع إيران في ما يتعلق بملفها النووي، والتي تتضمن، أيضا، توافقات حول توسع نفوذها الإقليمي، على حساب العالم العربي. والواقع فإن "عاصفة الحزم" قد تحمل الولايات المتحدة على مراجعة سياساتها إزاء إيران، من دون أن يفهم من هذا الكلام أنها لم تكن بصورة ما حصل، أو انها غير راضية عنه. بل يمكن ان يفهم من هذا الدرس أن سياسات الدول، وضمنها التحالفات الدولية، لا تتأسس فقط على الرغبات أو الانشاءات والصداقات، وإنما وفقا لعلاقات القوة، والفاعلية. ولعل إيران كانت سباقة الى ترجمة ذلك في سعيها للتأثير على سياسات الادارة الاميركية واستثمارها، برغم خلافاتها معها، وهو ما يمكن تلمسه من كونها الرابح الاكبر من الحربين اللتين شنتهما الادارة الاميركية على افغانستان (2002) والعراق (2003). وفي هذا الإطار ربما كانت الولايات المتحدة بحاجة الى تحرك كهذا من النظام العربي، لإضعاف نفوذ إيران الإقليمي وبالتالي اضعاف مركزها التفاوضي، وهنا تكمن نقطة التقاطع الأميركية - العربية.
ويجدر بنا التذكير هنا أن النظام الرسمي العربي، على علاته، وبرغم تفرق إراداته، استطاع في العقود الماضية عرقلة السياسة الأميركية، في مشروعين كبيرين، بغض النظر عن رأينا بشأنهما، الأول، يتمثل في مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي طرح في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون في اوائل التسعينات، وعلى خلفية انهيار الاتحاد السوفياتي واطلاق عملية التسوية، وانبنى على اقامة نظام اقليمي جديد يتأسس على التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والبني التحتية، بحيث يستوعب اسرائيل. والثاني، يتمثل في مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، الذي طرح في مطلع الألفية الجديدة، في عهد الرئيس بوش الابن، ويتأسس على "نشر الديموقراطية" والاصلاح السياسي في العالم العربي.
المفارقة أن هذا التحرك المتأخر للنظام العربي ماكان ليحصل، على هذا النحو، لولا الحالة التي خلقتها ثورات "الربيع العربي"، على علاتها ومشاكلها ونواقصها، ولولا الانكفاء الحاصل في تعاطي إدارة اوباما مع الملفات الشرق الأوسطية. علما ان المطلوب "عواصف حزم" تبث الحياة والفاعلية في النظام العربي، مع كل ملاحظاتنا عليه، ليس في المجال العسكري فحسب، وإنما في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم والبنى التحتية والقوانين والتنمية الاجتماعية والسياسية، ايضا.
|