الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٧, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
الأحزاب المصرية «حالة تسمم» - محمد صلاح
xبداية الحل لأي أزمة أن يدرك صاحبها أن لديه فعلاً أزمة ليتيح الفرصة لطرف أو أكثر لمعاونته على حلها. أما أن يُصر على أن الكل مخطئ وأنه الوحيد على صواب وأن الجميع مدانون وأنه وحده البريء وأن العراقيل وضعت في طريقه فتعثر من دون أن يعي أنه أصلاً سار - وما زال - في الطريق الذي سيودي به، فهذا لن ينقذه أو يعدل مساره، بل يدفع بمن يريد مساعدته إلى تركه وتجاهله لأن لا أمل فيه.

حال الأحزاب المصرية منذ عقود يجعلك لا ترى أبداً إمكان إصلاحها، فالقديم منها أو الجديد استشرى المرض فيه حتى صار جزءاً من «المنظومة الحزبية». وعلى رغم ضجيج التفجيرات والإرهاب في سيناء، وقنابل الموت في محطات المترو وبين الأشجار وأبراج الكهرباء، وحرائق «الإخوان» في الجامعات وقرب مقار المؤسسات، فإن خريطة العملية السياسية في مصر تسير، ولو ببطء. فالظروف ليست طبيعية، والمخاطر من كل جانب، ومحاولات زرع الألغام ونصب المكامن وتصيد الأخطاء لا تتوقف عند طرف واحد، وإنما تتنافس أطراف خارجية وداخلية على إنجازها لمنع أي تقدم، ووقف أي تطور، وإفشال كل مشروع جديد.

قبل نهاية العام الحالي سيكون موعد الانتخابات البرلمانية معروفاً للجميع، والمدهش أن تصرفات الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات النخبوية على حالها من دون تغير. دعك من حكاية الثورتين، ولاحظ أن هؤلاء جميعاً لم يدركوا أن الزمن يمر، وأن ما كان مقبولاً قبل سنوات لم يعد متصوراً حدوثه الآن، وأن الناس قد يصيبها بعض الملل من تكرار الوجوه نفسها والتصرفات ذاتها.

ألا تخجل الأحزاب السياسية المصرية من مخاوف انحصار المنافسة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بين الحزب الوطني المنحل وبين المنتمين أو المتعاطفين بشكل أو بآخر مع جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة؟! ألا يعني ذلك أن لا ظهير لتلك الأحزاب بين الجماهير؟ كيف لا يتوقف قادة وزعماء ورموز الأحزاب عن تسوّل مقاعد البرلمان وهم أدرى من غيرهم بأن تفصيل القوانين لتناسبهم والدوائر لتكون على مقاساتهم ونظام الانتخابات ليضمن لهم جزءاً من كعكة البرلمان أمور كانت تتم وتصلح وجرى الاعتياد عليها في عهود سابقة، لكن العودة إليها مستحيلة.

وبغض النظر عن رغبة «الإخوان» أو استعدادهم للاحتكاك مجدداً بالمواطنين ودفعهم إلى الاقتراع لمرشحيهم، والأموال التي ما زالت في حوزتهم أو تأتيهم من الجهات الداعمة لهم، فإن مشاركة الجماعة ما زالت محل شك حتى ولو خاضت المنافسة بأشخاص من غير مشاهيرها أو رموزها، إذ تعني المشاركة الاعتراف بنظام 3 تموز (يوليو) 2013 الذي تشكل بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي.

أما قصة الحزب الوطني المنحل، فتكفي الإشارة إلى أن آخر انتخابات جرت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك لم ينل فيها الحزب إلا نحو 33 في المئة من مقاعد البرلمان، على رغم المال والنفوذ والسطوة والسلطة والإعلام. واللعبة كانت معروفة، إذ انضمت غالبية المستقلين إلى الحزب بعد الفوز في الانتخابات ليقتربوا من السلطة أكثر، وبالتالي من المال والنفوذ.

تتكرر الإشارة إلى أن الأحزاب ظلت تشكو الملاحقات والتضييق في عصر مبارك، وأنها على مدى نحو أربع سنوات منذ رحيله عن السلطة لم تفعل شيئاً سوى زيادة عدد ساعات ظهور رموزها في برامج الفضائيات، أو حضورها الطاغي في الحفلات والندوات والمؤتمرات والمنتديات، بينما الفراغ السياسي الذي تركه «الوطني» و «الإخوان» لم يشغله أي حزب، وإنما تُرك ليحتله مجدداً بقايا «الوطني» وفلول «الإخوان»!

تعاني الأحزاب المصرية «حالة تسمم» لا شفاء منها. وفي ذلك، لا فارق بين ماضيها وحاضرها، وبالتالي فإن مستقبلها أيضاً سيكون عند المستوى نفسه من الاهتراء الذي لم يُمكِّن تلك الأحزاب من إدراك أن «25 يناير» لم تكن فقط ضد نظام مبارك، وإنما أيضاً ضدها، وأن «30 يونيو» لم تطح «الإخوان» فقط، وإنما أطاحتها أيضاً.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة