الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ١٠, ٢٠١٤
الكاتب: نزيه درويش
المصدر: the network
عشرون ملاحظة شخصية لمراقب دولي الى الانتخابات التشريعية التونسية
ملاحظات وخُلاصات تقنية سريعة من الانتخابات التشريعية في تونس، مرتكزة على مراقبة الانتخابات (الفترة بين 23 حتى 27 اوكتوبر) في دائرة ولاية توزر Tozeur في الجنوب (توزر المدينة، نافتا، تمغزة، حزوة، ديغش) والتي ضمت 123 مكتبا انتخابيا في 48 مركز بعدد ناخبين مسجلين 62175 اقترع منهم 62.89%.

1- نجحت "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" (ISIE) في تنظيم أول انتخابات تشريعية (برلمانية) بعد الثورة بأقل قدر من الاخطاء والنواقص.

2- أبرز الملاحظات السياسية الايجابية هي قبول النتائج من معظم الاطراف (أحزاب وتيارات ومستقلين). وهذا مرده الى الثقة بالهيئة تكوينا وممارسات، ولكن أيضا الى تطابق النتائج مع التوقعات.

3- مع أن تكوينها جاء متأخرا، وهذه اول تجربة انتخابات لها، نجحت الهيئة في اختيار وتدريب فريق عمل (موظفات وموظفي مكاتب الانتخاب)، بحيث تمتّع الفريق في غالبيته بمستوى رفيع من المناقبية والانضباط والحيادية، إضافة الى الالمام (بنسبة عالية) بما هو مطلوب منهم.

4- نجحت الهيئة وممثلوها في بسط سلطتهم على جميع الاطراف المعنية بالانتخاب (قوى أمن، مرشحين وأحزاب وكتل، اعلام) فكانت سلطة رؤساء المكاتب والمراكز الانتخابية شبه مطلقة.


5- راعت الهيئة بشكل واسع التوازن الجندري بين موظفي المكاتب (أربعة بمن فيهم الرئيس توزعوا غالبا امرأتين ورجلين)، وعدد لا بأس به من المكاتب التي زرناها كانت برئاسة نساء. كما يبدو انها اعتمدت في التوظيف مستوى علمي مرموق (مشاهدات عن سلوكهم وليس معلومات).

6- معظم المراكز في ولاية توزر كانت مجهزة بتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة (بطاقات بلغة بريل للمكفوفين، عتبة خاصة ramp لكراسي المقعدين، كل المكاتب في الطوابق الارضية)

7- لم تفصل المكاتب بين الجنسين بالنسبة للناخبين، في المقابل كان توزيعهم بحسب ترتيب ارقام بطاقات الهوية، ما جعل معظم الناخبين والناخبات الشباب في مكاتب ومعظم المسنّين في مكاتب اخرى. ما سهّل عملية مساعدة المسنين من جهة واحصاء نسب المقترعين بحسب الفئات العمرية من جهة ثانية.

8- كانت تعليمات الهيئة واضحة وقاسية لموظفي المكاتب بمساعدة المقترعين، ولا سيما المسنين، من دون الاقتراب من العازل. ما حدا بهم بعدم تطبيق حيثيات القانون بضرورة ارشاد الناخبين على كيفية الاقتراع بواسطة ورقة الاقتراع.

9- التزم مندوبات ومندوبو الاحزاب التزاما كليا بأوامر الموظفين بعدم التعاطي مع الناخبين على الأقل داخل المكاتب.

10- احتُرمَت بشكل واسع فترة الصمت الانتخابي، وفي الاساس التزمت القوائم بالمساحات المخصصة لها لتعليق ملصقاتها ومناشيرها، وقد عمدت الهيئة الى نزع كافة الملصقات من هذه المساحات ايضا عند بدء فترة الصمت.

11- نصَّ القانون على طريقة تقديم وقبول اعتراضات مندوبي القوائم خطيا خلال العملية الانتخابية. فيسجل المندوب المعترض اعتراضه بصمت على نموذجا بنسختين مكربنتين يقدّمه له رئيس المكتب، وعند انتهاء العملية وقبل تسطير محضر العد والفرز الاولي، يتقدم المندوب بأوراق اعتراضاته، يجاوب عليها مباشرة رئيس المكتب كتابيا ويرفق المحاضر بنسخة منها ويرسلها مع النتائج للهيئة العليا، ويعيد للمعترض النسخة الثانية موقعة منه. هذا التدبير من شأنه تفادي التشنجات والشغب الذي قد يتسبب به وجود اعتراضات.

12- اعتمدت الهيئة بشكل واسع على المواقع الالكترونية وصفحات فايسبوك. كما وضعت بتصرّف الناخبين وموظفي ورؤساء المكاتب والمراكز خط ساخن مجاني لمعرفة أماكن التصويت، وخط SMS للسؤال عن (عدم) ورود أسم في قوائم الناخبين. وكانت الهيئة استخدمته لتأكيد عملية تسجيل الناخبين. وقد اختبرتُ سرعة التواصل عبر هذه الخدمة.

13- لمزيد من الشفافية، جهزت الهيئة لعمليات تجميع الأصوات المركزية في الولايات قاعات رياضية مغلقة اُعدَّت لاستقبال الصناديق والنتائج التي أرسلت من المراكز بحماية الجيش. فيما أعدّت المدرّجات لحضور مندوبي القوائم والأحزاب والمراقبين المحليين والدوليين ووسائل الاعلام. وكان الحضور متاحا للجميع من دون استثناء.

14- عدد أعضاء لجان فتح المغلفات وتوزيعها على لجان تجميع الأصوات العائدة لكل ولاية كان لا بأس به (30 موظفا) وايضا التجهيزات من حواسيب وغيره. في الوسط أدار العملية رئيس الهيئة الفرعية في الولاية وعاونه منسّق عام النتائج في الولاية.


15- الخطأ الأول الذي وقعت فيه الهيئة بالنسبة لعملية تجميع الاصوات Tabulation، هو لوجيستي، مساحة القاعة الكبيرة وشكل توزيع اللجان فيها layout جعل منهم كاللاعبين في ملعب، فيما المراقبين من كل الأطراف موجودون فقط على المدرّجات (منعوا من الدخول الى نطاق العمليات معظم الوقت)، ما صعَّب المراقبة الفاعلة لما يحصل. وبالتالي لم ندر فعليا بوجود أخطاء في المحاضر او اعادة عدّ لصناديق ما عدا ما صرّحت به الهيئة نفسها. (لم تُعطَ الشفافية أُكلها!)

16- الخطأ الثاني وهوليس أقلّ فداحة، تمثّل بالغياب التام للتواصل بين اللجان العاملة في مركز تجميع المعلومات (ورئيسها ومعاونيه) وبين الجمهور الذي "يحضر" العملية من المدرّجات. فمثلا باءت محاولات الجمهور من مندوبي الاحزاب (ولا سيما الصغيرة) بالفشل وهي تناشد الهيئة التجاوب معها والتصريح بما تفعله وما ستفعله، او على الأقل بإعلان مراحل عملها. وبقي الاعتراض قائما حتى الساعة الثانية صباحا حين قرر جميع "الحضور" مغادرة القاعة على أصوات الاحتجاج على التجاهل. وذهب الاعتراض (من الاحزاب الصغيرة) ، تحت وطأة توالي بث النتائج غير الرسمية، الى حدّ اتهام الهيئة بالانصياع لترويكا السلطة ولاسيما لحركة النهضة. بعدها فقط (حوالي الساعة 3.30 صباحا) قرّرت الهيئة فتح نطاق العمل أمام الجميع بلا استثناء. صباحا كانت أجواء العمل التي استمرت طيلة نهار الأثنين هادئة تماما وشفّافة.

17- لم تزوَّد مدرجات الجمهور (مندوبي القوائم والأحزاب والمراقبين ووسائل الإعلام) بأي تجهيزات أو توصيلات كهربائية والكترونية outlets لتسهيل عملهم. كمثل توصيلات للكاميرات والهواتف والحواسيب وغيرها. كما لم توفر للضيوف طعام وشراب وغيره لمن يفترض بهم سيسهرون في متابعة عملية تجميع الأصوات التي تستمر عادة 24 ساعة متواصلة.

18- في كافة مراحل العملية، خارج المكاتب وداخلها وخارج المراكز وداخل مركز التجميع وعلى حواجز القوى الامنية على الطرقات، كان احترام عمل المراقبين وتسهيل مهمتهم والترحيب بهم من كافة الاطراف لافتا حقا.

19- خلاصة أخيرة: قبول الاطراف السياسية (الأحزاب الكبرى) بتكوين الهيئة وبنطاق عملها أنجحَ العملية الانتخابية ومهّد الطريق أمام قبول النتائج، إضافة الى التوافق أيضا على القانون الانتخابي الذي جرت في ظله الانتخابات (النظام النسبي بين لوائح مغلقة)

20- خلاصة للبنان: إضافة الى الفقرة 19، لم يشكل اعتماد أوراق اقتراع مطبوعة مسبقا مشكلة أمام الناخب التونسي على عكس ما تصرّ دائما على ترديده الطبقة السياسية اللبنانية، علما أن نسبة الأمية في تونس هي أعلى منها في لبنان.

ملاحظة: هذه الملاحظات التقنية (الايجابية والسلبية) هي مشاهدات وانطباعات شخصية من زيارة مكاتب اقتراع في ولاية توزر الجنوبية فقط. وهي ملاحظات تقنية ليوم الاقتراع وليس للعملية بكافة مراحلها. فقد تردَّد كثيرا عن عمليات شراء أصوات أو تقديم خدمات او خروقات إعلامية.. كما يمكن أن تجد الهيئة تجاوزات في سقوف الانفاق المالية، ولكن كل ذلك لا يدخل في عملية التقييم التقني لـ"يوم الانتخاب" الذي لا نستطيع كمراقبين قصيري الأمد STO أن نتبيّنه.

ملاحظتان في السياسة

1- تراجع النهضة مهم جدا (وذكي أيضا)! الفضل بهذا التراجع يعود ليس وعي الشعب او العلمانية كما يحلو للبعض ان يعتقد. الفضل الكبير يعود الى نظام انتخابات (نسبي بلوائح مغلقة بعتبة بسيطة) بعثر الأصوات والمقاعد.. ذكاء النهضة هو في قبول اعتماد هذا القانون وفي تقبّل النتائج بالرغم من الوزن الشعبي الكبير لها. (مثال على ذلك نتائج ولاية توزر الجنوبية جاءت 10164 صوت للنهضة اولا و5111 لقائمة مجد الجريد المحلية المستقلة ثانيا و4845 لنداء تونس ثالثا و1729 لقائمة التيار الوطني الحر رابعا. الأربعة تقاسموا المقاعد الأربعة في الولاية!)

2- يجب أن نفصل بين تراجع الاسلام السياسي في الحكم وفي الشارع. الاسلام السياسي لم يتراجع في الشارع. وإنما تراجع في نتيجة الانتخابات، كما سبق. طبعا هذا ليس السبب الوحيد لفوز نداء تونس. تكتل الجميع (علمانيين، وبعض اليسار والمجتمع المدني، ونظام سابق وفاسدين ومراكز القوى العسكرية) أنتج هذا الفوز. قبول النهضة بالنظام الانتخابي ومن ثم بالنتيجة سببه أيضا حنكة الحركة التي أدركت أن محيطها يغلي ضدها. السعودية والامارات، السند "الاسلامي" الأكبر، وفرنسا واوروبا عموما، السند الغربي لاقتصاد تونس، إضافة الى تبدل المزاج الشعبي بعد أحداث مصر وليبيا وسوريا والعمليات الارهابية على الحدود مع الجزائر وتسلل الاسلحة من ليبيا كل ذلك دفع النهضة الى ان يكونوا LOW PROFILE. 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
المؤامرة المدنية في نصابها
في غياب اليسار الديمقراطي اللبناني وغياب سمير قصير
ماذا لَوْ كان سمير قصير ما زال بيننا اليوم؟
لماذا لن تتكرَّر الحرب اللبنانية؟
“المجلس الوطني” لـ “14 آذار”: خِداع بلا إبداع!
أخبار ذات صلة
احتجاجات ليلية قرب العاصمة التونسية ضد انتهاكات الشرطة
البرلمان التونسي يسائل 6 وزراء من حكومة المشيشي
البرلمان التونسي يسائل الحكومة وينتقد «ضعف أدائها»
الولايات المتحدة تؤكد «دعمها القوي» لتونس وحزب معارض يدعو الحكومة إلى الاستقالة
«النهضة» تؤيد مبادرة «اتحاد الشغل» لحل الأزمة في تونس
مقالات ذات صلة
أحزاب تونسية تهدد بالنزول إلى الشارع لحل الخلافات السياسية
لماذا تونس... رغم كلّ شيء؟ - حازم صاغية
محكمة المحاسبات التونسية والتمويل الأجنبي للأحزاب...
"الديموقراطية الناشئة" تحتاج نفساً جديداً... هل خرجت "ثورة" تونس عن أهدافها؟
حركة آكال... الحزب الأمازيغيّ الأوّل في تونس
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة