الأثنين ٢٥ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٤, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق - حازم صاغية
تتضافر الأسباب والعوامل التي توحي أنّ المنطقة العربيّة إنّما تتّجه نحو فرز مطلق لا تجاوره أيّة مساحة من مساحات الاشتراك والتواصل. وبلوغ فرز كهذا إنّما يتّسم بسمات في عدادها انتقال النزاعات من نزاعات هدفها الاستحواذ إلى أخرى هدفها التدمير. وهو ما يعبّر عنه التمييز الإنكليزيّ بين civil wars وuncivil wars. كذلك يتعفّف الصراع، في ظلّ الفرز المطلق، عن كلّ سياسة، بحيث لا يعود الخصم راغباً في تفتيت جبهة خصمه وفي كسب ما يمكن أن يكسبه منها، بل يصير مهتمّاً فحسب بتوحيد الخصم في مواجهته. وغنيّ عن القول إنّ قوى حادّة في لونها الدينيّ أو المذهبيّ، كـ «داعش» و «النصرة» و «حزب الله» والحوثيّين، أدوات نموذجيّة في إحداث فرز مطلق تكمن مقدّماته في تكوين تلك القوى وفي توجّهاتها.

والمسار العامّ هذا إنّما نراه اليوم في العراق في أوضح أشكاله. يكفي مثلاً أن تُحمّل عشائر الأنبار مسؤوليّة المذبحة التي أنزلتها «داعش» بأفراد عشيرة البونمر للحكومة المركزيّة في بغداد. ذاك أنّ الأخيرة، كما ترى عشائر الأنبار، لم تستجب نداء عشيرة البونمر وطلبها السلاح والرجال. وتمضي عشائر الأنبار محذّرةً من سقوط مدينة الرمادي في يد «داعش» بسبب استمرار النهج الرسميّ ذاته.

فإذا صدقت رواية العشائر كان المعنى أنّ الحكومة، التي يسيطر عليها طرف شيعيّ، لا تحتمل وجود طرف سنّيّ قويّ، مفضّلةً احتكار عدوّتها «داعش» للقوّة والبأس. وما قد يعزّز الرواية هذه ماضي العلاقة بين نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق ورفيق حيدر العبادي في حزب «الدعوة» الشيعيّ، و «الصحوات» السنّيّة التي سبق أن حاربت «القاعدة» في العراق قبل أن تتّهم المالكي بإضعافها وتشتيتها.

وفي لبنان شيء من هذا. ذاك أنّ ضجيج «حزب الله» في موضوع «داعش» والتخويف منه لا يترافق مع أيّ سلوك فعليّ يقوّي ما يسمّى «الاعتدال السنّيّ». فكأنّ ثمّة رغبة في أن يكون العنف المحض شكل التعامل الوحيد مع البيئة السنّيّة بما يقضي على ذاك «الاعتدال» ولا يدفعها إلاّ إلى... «داعش».

وتقدّم الحرب الغرائبيّة الراهنة على الإرهاب مساهمتها في بلورة الفرز المطلق هذا. إذ بينما الطائرات تقصف من الجوّ (هل ما زالت تقصف؟) تستولي «جبهة النصرة» على معظم ريف إدلب وتنهار أمامها الجبهات التي تجد من يصفها بـ «الاعتدال».

أمّا المساهمة الإسرائيليّة فيُعتدّ بها هي الأخرى. ذاك أنّ تعاظم الاستيطان والاستفزاز في الآونة الأخيرة كافٍ للإيحاء بأنّ تل أبيب إنّما تريد أن تجتثّ الاعتدال الفلسطينيّ سياسيّاً، وأنّها لا تريد من الفلسطينيّين إلاّ أن ينتفضوا انتفاضة ثالثة هي الخيار الوحيد المتروك لهم. ومن يذكر كيف نجحت الدولة العبريّة في دمج الانتفاضة الثانية بإرهاب «القاعدة» بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لا يستبعد وجود ما يغري الإسرائيليّين بانتفاضة فلسطينيّة جديدة يسهل ردّها اليوم إلى «داعش» و «النصرة» أو ما قد يماثلهما.

وعلى هذا النحو تمضي المنطقة ونمضي إلى أن يقضي الله أمراً!


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة