لا أحد يملك الرقم الدقيق والصحيح لعدد من يسكنون الأردن هذه الأيام، لكن شكاوى الحكومة والسلطات الرسمية من الضغط الهائل على البنية التحتية تتزايد ويمكن الإستماع لها في كل الأروقة والأزقة البيروقراطية وكذلك الأمنية والدبلوماسية.
ضخامة العبء الديموغرافي في المملكة بعد فتح الباب على مصراعيه أمام إيقاع اللجوء السوري يمكن الإستدلال عليه من التصريح الصادر عن مدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات مروان قطيشات والذي تحدث عن نحو 20 ألف مولود «أجنبي» تم تسجيلهم في المستشفيات للعام 2014.
على أساس أن العام الحالي لم يكتمل بعد ويحتاج لشهرين يمكن الإستدلال بأن عدد المواليد في حال الإعتماد العلمي المعياري قد يزيد عن 22 ألف مولود تم تسجيلهم. بطبيعة الحال القطيشات الذي نشرت وكالة «عمون» تصريحاته الخميس لا يسيس الواقعة ويعرض للحيثيات الرقمية فقط لكن في جبهة موازية يمكن ملاحظة ان تسجيل هذا العدد من المواليد غير الأردنيين أو الأجانب بالتعبير القانوني يعكس شكلا من أشكال الإنفجار الديموغرافي في بلد يعاني من ضائقة إقتصادية ونقص حاد في الإستثمار ومشكلات في الإدارة والأهم تحديات في مجالات الطاقة والمياه. بالنسبة لوزير المالية الدكتور أمية طوقان فقد إتفق مع «القدس العربي» على أن فاتورة الطاقة ما زالت تشكل التحدي الأهم مع تزايد أعداد اللاجئين والزوار الذين تطالب الحكومة بتأمينهم.
وفيما يتعلق برئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور لا مجال أمام الحكومة إلا لإحترام حاجة اللاجئين من دول الجوار وتحديدا من سوريا للكرامة والأمن ولا يمكن إغلاق الأبواب في وجههم. يحصل ذلك رغم أن النسور يعترف بتنامي حجم المعاناة في الوقت الذي يعلن فيه وزيرا الخارجية ناصر جودة والداخلية حسين المجالي بأن التعاون الدولي والإقليمي أقل بكثير من مستوى المساعدات التي تقدم للبلاد وللاجئين وتحديدا السوريين منهم.
جودة أعلن ذلك من على منابر دولية من بينها الأمم المتحدة والوزير المجالي يكرر الشكوى نفسها عند إستقبال أي وفد رسمي أجنبي يزور البلاد للبحث في ملف اللاجئين السوريين. حتى وزارة المياه تشعر بالتحدي وتبحث عن معالجات بعضها «أمني» تماما للحفاظ على الأمن المائي الذي يعتبره وزير المياه الدكتور حازم الناصر من الأولويات الآن كما فهمت «القدس العربي» منه وعدة مرات.
خبراء المياه يشيرون الى ان مخيم الزعتري للاجئين السوريين ساهم في «إفساد» حوض مياه مهم يغطي منطقة الشمال وبعض مناطق شرقي المملكة خلافا للحاجات المائية للاجئين أنفسهم. رغم ذلك فالشكوى من نقص خطير في المياه لخدمات ملايين الأشخاص قرعت جرس الإنذار حتى في القصر الملكي الذي يتابع بإهتمام هذا الملف.
في اللقاء الأخير بين الملك عبدالله الثاني شخصيا ورؤساء السلطة القضائية تم التطرق لمخالفات المياه التي تتضمن الإعتداء على المياه الجوفية والمتاجرة غير الشرعية بالمياه من قبل مجموعة نافذين وسط قصور التشريعات عن إحتواء ما يسميه الوزير الناصر بـ»الجرائم المائية».
تم تعديل بعض التشريعات مؤخرا والغطاء السياسي إتخذ لإحالة كبار لصوص المياه النافذين إلى محكمة أمن الدولة وتهديدهم بسنوات سجن طويلة وفي عدة حالات إضطرت وزارة المياه للإستعانة بقوات الجيش والأمن لردم آبار جوفية «غير مرخصة» والوزير الناصر قال لـ»القدس العربي» أن الوضع الخطير والقصور التشريعي عولج ولابد من التصرف بحزم إزاء أي محاولة للتلاعب بالأمن المائي الوطني. قبل ذلك انشغل كل رموز المؤسسة الأردنية بتوفير بدائل نفطية وإضطرت الدولة لضمان تشغيل الفوسفات الى الإستعانة بالغاز الإسرائيلي القريب في خطوة أثارت الكثير من الجدل وبدأ التوسع في إقتراح بدائل للطاقة وتوليد الطاقة على مستوى موضعي من الرياح وكلفت وزارة البيئة بالمشاركة في دراسة مثل هذه الإحتياطات الإستراتيجية.
الدرس الذي يمكن الإستدلال عليه من سياق «الإنفعال الخدماتي» مرتبط سياسيا بالديموغرافيا التي تنمو بشكل متسارع في الأردن وبالأعباء التي تنتج عن وجود أكثر من مليون ونصف مواطن سوري على الأقل ومثلهم من الوافدين العراقيين والمصريين إضافة للعمالة الأجنبية بكل تفريعاتها.
طبعا يتجنب المسؤولون الحديث سياسيا عن هذه المسألة لكن مصادر صحافية نقلت مؤخرا مفاجأة ديموغرافية معيارية عن مدير الأمن العام الجنرال توفيق الطوالبة وهو يتحدث عن خطط للخدمة الأمنية العملية والوقائية ترسم على أساس وجود سكان لا يقل عددهم عن 12 مليون نسمة في المملكة.
هذا رقم كبير يضاعف عدد السكان الذي إعتادت عليه البلاد ويضغط بشدة على البنية التحتية ويضع السلطة والحكومة أمام تحديات غير مسبوقة لا يمكن الإستهانة بها.
الجهات الأمنية أيضا تتابع التفصيلات وتشعر بالإرهاق وتتحمل العبء الأكبر بدون تذمر وبصمت وتقوم بواجباتها مع قواعد السلوك الصامت خلافا للمسؤولين البيروقراطيين، وفي المستوى الأمني تنجح الإدارة في التعاطي مع كل الفوضى التي يمكن ان يثيرها هذا النمط الديموغرافي في الوقت الذي تفلت فيه الأمور سياسيا في بعض الأحيان.
خلف الستارة يعترف المسؤولون بأن البلاد تواجه تضاعفا ديموغرافيا في عدد السكان يساهم في تغيير شكل الواقع والحياة وبعض السياسيين ومن بينهم الدكتور ممدوح العبادي يصرون على الإعتراض على سياسة فتح الباب على مصراعيه أمام اللجوء السوري وبدون حسابات دقيقة.
المقاربات من هذا النوع تطالب بإغلاق الحدود والرئيس النسور يرفع شعار «لا نستطيع» وفي المقابل تختلف الإيقاعات في الشارع، فقد تنشط قطاع تأجير وبيع العقارات وتسبب العمال السوريون المهرة في توسيع قاعدة العاطلين الأردنيين عن العمل وبعض الضواحي والمناطق في العاصمة عمان على رأي السائق علي مصطفى تتكلم «عراقي» ويطلق عليها الأردنيون إسم «الأنبار» وبعضها يتحدث سوري وإسمها «حلب».
كلما زاد النمو الديموغرافي تعاظمت المخاوف الأمنية والإنفعالات الخدماتية. هذه هي المعادلة اليوم في الأردن وفي الإطار السياسي لا زال الإستثمار في ملفات «لجوء الآخرين» خاسرا بالمعنى الإقتصادي وإن كان يبقى الدور الأردني فاعلا على الطاولات الدولية والإقليمية. |