الغريب أن حجم داعش وقدرتها كبرتا بعد الحرب الأميركية عليها، حيث إنها، على الرغم من مئات، وربما آلاف الغارات التي شنتها قوات "التحالف"، لا زالت تتقدم وتتوسع. على الرغم من أن "منطقة الحرب" صحراوية مكشوفة، وليست جبلية، لكي تصعب على الطائرات الأكثر حداثة وتطوراً. تقدمت داعش نحو عين العرب التي كان في وسع القصف الجوي أن يقطع طرق الإمداد عنها، ودخلتها ليصبح القصف للمدينة. وهكذا في هيث والأنبار، وحيث تتقدم داعش نحو بغداد. آلاف الغارات لم تقتل سوى عشرات، وآلاف أطنان الأسلحة لم تؤثّر في مسار توسع السيطرة.
الأمر يطرح الأسئلة، حيث يظهر أن دور طيران "التحالف" هو حماية تقدم داعش، وليس مواجهتها، وتسهيل سيطرتها، وليس وقف توسعها.
كان تقدم داعش نحو أربيل المدخل للتدخل الأميركي الذي توسّع، لكي يشمل سورية بعد العراق. بالتالي، ما الهدف من دفع داعش، لكي تحتل عين العرب، وربما تتقدم نحو كل الشريط الحدودي مع تركيا؟ إحراج الحكومة التركية أم نقل الصراع إلى داخل تركيا؟ حيث إن عدم الدفاع عن عين العرب بات يؤجج المشكلة الكردية في تركيا، بعد أن ظهر أنها في سياق الحل. أميركا تريد إشراك تركيا في الحرب على داعش، والحكومة التركية تريد ربط الحرب عليها بالحرب ضد النظام السوري، بهدف التدخل من أجل إسقاطه، الأمر الذي لا ترغبه أميركا. وهذا لافت، ويطرح الأسئلة حول الهدف الأميركي من الحرب ضد داعش في سورية التي يبدو أنها خارج سياق الصراع الذي يجري في سورية، والذي يريد إسقاط النظام، وخارج حساب تركيا التي تريد الإفادة من الوضع القائم للتدخل البري وفرض "سلطتها".
في العراق، بدا أن التدخل الأميركي قد فرض تغيير التوازنات في "العملية السياسية"، بعد أن سيطرت السلطة الإيرانية، تماماً، بعد الانسحاب الأميركي. لكن، ما معنى أن تحاصر داعش بغداد؟ من الواضح، في الأيام الأخيرة، أن إيران ما زالت لا تريد التنازل عن سيطرتها على الحكومة العراقية، ولهذا ما زالت "العملية السياسية" تتعثر، هل هدف "زحف" داعش على بغداد هو استمرار الضغط من أجل فرض معادلة جديدة في العراق؟
من هذا المنظور، يمكن تصوّر ما تريده أميركا، حيث يبدو أنها تريد تغيير معادلة التوازنات، وهي تسعى إلى التفاهم مع إيران. لهذا، تعمل من أجل أن يجري الضغط في سورية والعراق، من أجل تغيير "حصار" ها، وسحب الأوراق من يدها، لكي يكون ممكناً التفاوض من موقع مختلف عما تنطلق إيران منه الآن، أي من موقع أنها تسيطر، تماماً، على الوضعين السوري (واستتباعاً اللبناني) والعراقي. ذلك كله في إطار المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. لهذا، يبدو أن هدف أميركا في العراق هو تغيير توازنات السلطة فيه، والضغط عبر التدخل في سورية، لترتيب التوافق على طبيعة السلطة فيها. فأميركا معنية، منذ مدة، بالتفاهم مع إيران، ومعنية بأن تعيد الربط معها، ضمن رؤيتها العالمية (حصار الصين، واستقرار الخليج)، ولكن، لا تريد أن توافق على المطامح الإيرانية التي كانت كبيرة، بحيث تصبح قوة ليس إقليمية فقط، بل قوة عالمية، ومن ثم تريد تقزيمها، بحيث تقبل بدور إقليمي متوافق عليه معها.
بهذا، الحرب ضد الإرهاب هي من أجل الضغط، وليس لإنهاء داعش. والموقف الأميركي واضح هنا، لقد كرروا: لا نريد إنهاء داعش، بل وقف تمددها. بالتالي، ليبدو أن الأمر هو ليس داعش، بل هو الوضع السياسي والتوازنات السياسية في المنطقة. لهذا، يمكن أن نقول: أن الحرب هي ليست ضد داعش، بل إن الحرب هي بـ داعش.
|