السبت ٢٣ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الأول ١٤, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
حب الأكراد المستجد! - حازم صاغية
فيما مدينة كوباني (عين عرب) محاصَرة ومنتهَكَة، تتجاهل دول المنطقة ودول العالم مأساتها بسلوك يجمع بين الخفة وانعدام الأخلاق، تبدأ قصة حب غير مألوف للأكراد. أما المحبون الذين يدبجون رسائل الغرام هذه المرة، فهم الممانعون إياهم.

فالأكراد، وفقاً للوَلَه المستجد، هم الذين يقفون في وجه تنظيمٍ «فبركته أميركا وتركيا وبلدان الخليج»، فيما لا ينجدهم التحالف الدولي الذي تتحكم به رغبات إمبريالية- شيطانية، كما يحاصرهم «العثماني الجديد» رجب طيب أردوغان، فلا يكتفي بعدم إنجادهم بل يذهب أبعد، قاتلاً متظاهريهم المحتجين في مدن بلاده نفسها. والأكراد أيضاً هم الذين حالفوا النظام السوري وحالفهم، فسلمهم المناطق التي انسحبت منها قواته في شمال سورية الشرقي.

لكنْ، وما دام أن الواقع يؤتى من زوايا مختلفة ومستويات متباينة، فإن ما قد يكون صحيحاً في الوصف السابق ينفيه وصف آخر لا يوافق الهوى المستجد، فالأكراد الذين بات الممانعون يحبونهم هم الذين حرم البعث السوري الكثيرين منهم حق الجنسية لعقود مديدة، وهم الذين تخلى حافظ الأسد، قبيل رحيله، عن زعيمهم في تركيا عبد الله أوجلان، فكان ذلك مقدمة لاصطياده وإيداعه السجن الذي لا يزال قابعاً فيه. وهم أيضاً الذين جرد البعث العراقي عليهم حملة الأنفال ولم يتورع عن قصفهم، في حلبجة، بالسلاح الكيماوي. أما إيران، شيخة الممانعة والممانعين، فيشكو الأكراد فيها القهر والتهميش اللذين تشكوهما باقي الأقليات العرقية والدينية في ذاك البلد. ولا ينسى أكرادها اغتيال المخابرات الإيرانية زعيمَهم عبد الرحمن قاسملو في فيينا عام 1989.

وأهم من ذلك كله، أن الأكراد الذين تحبهم الممانعة اليوم هم الذين يقيمون، بحسب الأدبيات الممانعة نفسها، دويلة في شمال العراق هي تعريفاً عميلة لأميركا ومتحالفة مع إسرائيل للتآمر معها ضد العرب وضد عروبة العراق. وهم، في معرض التحريض عليهم، مَن كانوا، مرتين على الأقل، ضالعين في المشاريع والمخططات الأميركية الكبرى، مرة بعد حرب تحرير الكويت في 1991 حين ولدت منطقة حكمهم الذاتي، ومرة بعد حرب العراق في 2003 حين استقرت تلك المنطقة وكُرست. وطبعاً فإن أميركا الشيطانة لا تعين إلا الشياطين.

وأن يكون الكردي الخائن هو الكردي المحبوب فذاك حب رخيص في ابتذاله وانتقائيته. لكن ذلك لا يشذ عن طريقة في التحكم بالعواطف وإعادة تدويرها لدى من أوشكوا على أن يحبوا أميركا نفسها، يوم تراءى لهم أنها تحجز مقعدين لإيران وسورية في تحالفها الجديد.

وهذا في عمومه نفاق من نوع ذاك النفاق الذي يشيع أصحابه إياهم أنهم مولعون بالجيش اللبناني لأن أفراده يُقتلون أو يُخطفون على أيدي خصومهم. وهذا علماً بأن الجيش المذكور تبوأ لديهم بعض أهم «مناصب» الفئوية والانعزالية والعمالة.

وهو نفاق لا يتفرد به الممانعون ولا يحتكرونه، إذ النذالة التركية الأخيرة ظاهرة واسعة ومعممة في منطقة تأبى إنتاج موقف تاريخي واحد من الأكراد يعلو فوق السياسة وتحالفاتها، فيما مشاريعها القومية والعسكرية، وهي في غالبها مشاريع مجهضة وبالغة الكلفة، لا تتقاطع إلا عند تسويغ العدوان على الأكراد. وما الحب الأخير الذي تبديه الممانعة لهم سوى آخر تجليات الظاهرة هذه وأكثرها وقاحة.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة