التقارير الاخيرة الآتية من مدينة كوباني الحدودية شمال سورية تنذر بسقوط وشيك لها على يد «داعش» بعد محاصرتها شرقا وغربا والاستيلاء على مقر الأكراد وسط المدينة. سقوط كوباني ما لم تحل دونه معجزة في اللحظة الاخيرة بتدخل تركي بري، مرده الخلاف بين أنقره وواشنطن وتضارب الأهداف الاستراتيجية بين الحليفين في المعركة في سورية والافتراق الواضح في مصالح البلدين.
هذا التضارب كان صريحا هذا الأسبوع مع مطالبة أنقرة بمنطقة عازلة ورد واشنطن بالقول بان هذا الامر يحتاج الى «بحث معمق» وان خطط المناطق العازلة والحظر الجوي «ليست ضمن برنامج التحالف الحالي»، أي رفض هذا الاقتراح بلغة ديبلوماسية. كما ظهر التباعد في الخطاب التركي من الموقف من الأكراد، وحديث نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ، ياسين أكتاي لمحطة بي.بي.سي ان «ليس هناك مأساة في كوباني كما يقول حزب العمال الكردستاني الإرهابي بل حرب بين مجموعتين ارهابيتين». كما أكد مسؤولون اتراك لصحيفة «وول ستريت جورنال» ان تركيا «لن تتراجع في مطالبتها ان تتعاطى الاستراتيجية مع نظام الاسد... طالما ان الاسد هناك بسياساته التي ترمي براميل متفجرة وأسلحة كيماوية، سندور في الحلقة نفسها بمجموعات مختلفة تدخل وتخرج».
هذا الخلاف لم ترممه زيارة المبعوث الأميركي في الحرب ضد «داعش» جون آلن الى أنقرة، لا بل أجلته الى فترة أسبوع لاستئناف مشاورات عسكرية بين الجانبين. فالتباعد التركي-الأميركي يطال شكل التحرك العسكري في سورية وإنشاء المناطق العازلة، مصير مناطق الأكراد والأحزاب الكردية، ومستقبل النظام السوري والاسد. ولا تريد تركيا التحرك ضد «داعش» قبل تلقي ضمانات في هذه القضايا، فيما تفضل الادارة الاميركية البحث في هذه القضايا لاحقا وإعطاء اولوية لمحاربة «داعش» ووقف تقدمه في كوباني. اذ ليس هناك معضلة عسكرية بالمعنى الحقيقي كون الجيش الأميركي هو الاقوى دوليا والجيش التركي الاقوى اقليميا وقادر على توجيه ضربة قاضية الى «داعش» في حال قرر التحرك.
ومن هنا، فان المعضلة هي سياسية وبين تردد واشنطن في إعطاء ضمانات آنية حول الاسد في وقت هي لا تريد فتح جبهة ضده، وعدم نيتها توسيع دورها العسكري الى الإشراف على مناطق عازلة وهو ما يرفضه الرئيس الأميركي باراك اوباما في الوقت الحالي. فالتركيز الأميركي في الحرب ضد «داعش» هو على العراق أولا، والاستراتيجية في سورية هي امتداد للأهداف في العراق وليس العكس. اذ تريد الادارة حصر المهمات السورية بمكافحة الاٍرهاب وضرب «داعش» و«تنظيم خراسان»، لقطع الإمدادات عن العراق وحماية الأمن القومي الأميركي. اما الحسابات ضد الاسد فهي تنحصر في تدريب قوة من خمسة آلاف عنصر من «الجيش الحر»، وليس الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ضد قواته بشكل قد يرتد عكسيا الى المفاوضات مع ايران او العلاقة مع روسيا.
ولذلك، لا يمكن توقع ردم الهوة الاميركية-التركية في اي وقت قريب بسبب التضارب العميق في المصالح في سورية. وتقف كوباني ضحية أولى لهذا الخلاف مع تفرج الدبابات التركية على سقوطها وفشل السلاح الجوي حتى الساعة في انقاذها. فهي كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليست «هدفا استراتيجيا» في الحملة ضد «داعش»، ومجرد معركة بين «تنظيمات ارهابية» بالنسبة للأتراك. مأساتها تختصر المأساة السورية وتنذر بحرب طويلة واستراتيجيات وأهداف متضاربة بين اللاعبين. |