لا أستطيع إزاحة مشهد الأب اليزيدي، وهو يبكي بحرقة، بعد أن خطفت بناته، لا يعرف مصيرهن، قد يكنَّ الآن متنَ، أو تم بيعهن في أسواق الرق الجديدة، أو استعبدن لجمالهن لتلبية رغبات من يقولون إنهم يريدون إقامة دولة الله على الأرض.المخيف ليس فقط أن نرى شباباً، أنا متأكدة أن بعضهم لم يأت من أحشاء التخلق، بل عاش في بيئات منفتحة، بل وغربية، فليس كل الدواعش كانوا يعيشون في مجتمعات منغلقة. ولكن، وجدوا في ما يسمى "دولة الخلافة" حرية لإرضاء أهوائهم وإذلال المرأة.في منطق السلطة العليا التي تدعي أن مرجعيتها الدين فإن "الآخر"، أي غير المسلم، أو المسلم الذي لا يتفق مع الرؤية الداعشية، فمُحَلل قتله، وفي حال المرأة بيعها واستعبادها، وطبعاً قتلها، فهي ليست فقط مخلوق ناقص وأصل الخطيئة، لكن كونها مسيحية أو يزيدية أو حتى معارضة لداعش ينفي عنها إنسانيتها.المفزع حقاً غياب الغضب بين كثيرين، من أهل الدين خصوصاً، وحتى من المتدينين المعتدلين على هذه الممارسات، لأنها، وأقولها بصراحة، تعبير، وإن كان يبدو متطرفاً للنظرة الذكورية، خصوصاً في مجتمعاتنا، فإذا كان صوت المرأة عورة، وجسدها مباحاً للتحرش في الأماكن العامة، إذا قرر خيال ذكوري أنه يرى أمامه طريدة جنسية مباحة، فلِمَ نستغرب وحشية داعش؟نعم إنني أتهم، وبقوة وبصوت عال، كل مبادئ التربية "الأخلاقية" التي يتم زرعها، خصوصاً من مراجع دينية تكبت الروح وتغذي الوحشية، إذ أنها تخنق النمو العاطفي للذكر وتجعله عاجزاً عن تطوير وعي للعلاقة الإنسانية العاطفية مع المرأة.فممارسات داعش، في ظل النفاق المجتمعي بشأن الأخلاق، ليست مرفوضة تماماً، فإذا كانت داعش تعرض النساء للبيع سبايا فمن الذي يشتريهن؟ هم رجال يحتقرون المرأة في دواخلهم، وامتلاك سبية يحللهم من أي نوازع أخلاقية أو واجبات، لا أستطيع تخيل مصير تلك المرأة، لأنها تنتقل من داعش إلى مجرم داعشي الأفق والقسوة. لننظر إلى ما يحدث، أحياناً ليست قليلة، من استغلال الفقر والتشرد الذي يواجهه اللاجئون السوريون، للزوجة مثلاً، حيث الاغتصاب (الشرعي) لقاصرات مبنيٌّ على دونية الأنثى، وعلى ما يشيع في الشرق والمشرق العربي من خصائص الأنثى السورية، وأولها الجمال.كيف يمكن فهم انتشار ظاهرة الزواج من قاصرات، حتى خارج إطار شراء الفتيات من أهلهن، ليس لدي إحصائيات، لكن هذه القصص أصبحت أكثر تداولاً، إذ أن هناك حالة انهيار مجتمعي، لا يوجد حكم لقانون أو وازع أخلاقي.أتحدث، هنا، عن انعدام الأخلاق لدى الشخص الذي يسيء لإنسان أو إنسانة، والأخلاق هي ما يمنع الأذية، واغتصاب القاصر وإذلال المرأة وأي إنسان، وليس ما يسمى الشرف الذي يتيح للذكر قتل أنثى، بمباركة مجتمعية، فالشرف هو المحافظة على كرامة الإنسان، والمرأة طبعاً وأولاً، وليس استباحتها وهدرها، فلا شرف في جرائم "الشرف".صمت المراجع الدينية يجعل هذه الممارسات مقبولةً، أو على الأقل، هذه الخروق الإنسانية ليس بذات أهمية لدى بعضهم، ففي حالة السبايا هن من طائفة أخرى، وبالتالي، أخلاقهن وكرامتهن في أقل مرتبة، إن كانت موجودة أصلاً، وحالة اغتصاب القاصرات، فمحظور تحدي الورقة الشرعية التي تحلل عملية بيع الطفولة والاعتداء عليها.نتحدث عن سبايا داعش. لكن، لنواجه الحقيقة، هم سبايا المجتمع العربي بأكلمه.
لميس أندوني كاتبة وصحفية من الأردن، عملت في عدة صحف عربية وأجنبية، من أسرة "العربي الجديد". |