ربما يحتاج الرئيس أن يستمع من شخص منصف عن حقوق الإنسان. كشف الرئيس فى حديثه لوكالة «الأسوشيتيد برس» من عشرة أيام مضت عن رؤيته للموضوع. قال بصراحة إن فيه صبرا كبيرا جدا من جانب أجهزة الأمن، دليله على ذلك أنه لم يُحتجز حتى واحد فى الألف من تعداد المصريين، وأن المحتجزين «أقل من ثلث هذا الرقم!». قد يكون الرقم الذى أشار إليه الرئيس صحيحا، ولكن إبقاء هذا العدد الكبير رهن الاحتجاز لمدة تزيد على العام دون إحالتهم إلى المحاكمة أو الإفراج عنهم هو إساءة لاستخدام الحق فى الحبس الاحتياطى حتى لو صدْق على حبسهم «قاضيا». أرجوا أن يسئل الرئيس عن ظروف احتجاز هؤلاء المصريين، ومدى اتفاقها مع الدستور، وإلى أى حد هم محتجزون فى ظروف «تحفظ عليهم كرامة الإنسان».
الجمعة الماضى أعلنت وزارة الصحة أن هناك 59 محتجزا بقسم شرطة الهرم أصيبوا بـ«الجرب»! من قبل مات شخص اختناقا فى حجز قسم عين شمس، فلما ذهبت النيابة للتحقيق اكتشفت أن هناك 800 محتجز فى القسم! ليست تلك الوقائع سرية ولكنها وقائع تنشر يوميا فى الصحف دون تعليق أو تحقيق. السجون ما عادت قادرة على استيعاب أعداد المحتجزين. الحكومة بين خيارين، إما أن تبنى مساكن للشباب يتزوجون فيها أو تبنى سجونا للشباب يُحتجزون فيها. أماكن الحجز فى أقسام الشرطة غير مجهزة لاحتجاز طويل الأمد، أربع وعشرون ساعة هى المدة التى يمكن احتجاز الشخص فيها فى قسم الشرطة. يحتاج الرئيس إلى من يقول له إن قانون التظاهر الذى يرى سيادته أنه لا يقل أبدا بأى حال من الأحوال عن القوانين الأوروبية. وإحنا كنا حريصين إن إحنا نستدعى تجارب الآخرين فى هذا القانون، قد أحيل إلى المحكمة الدستورية لمخالفات بعض مواده للدستور، من بين المواد المحالة تلك التى تجعل الحق فى التظاهر بالترخيص حين قرر الدستور أن تكون بالإخطار.
من الواضح أن الرئيس يختزل حقوق الإنسان فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية «فيه فى مصر ناس كتير قوى بتعانى، وأنا متصور أن حقوق الإنسان متجاوزاها فى أنه يعيش بشكل كريم ويتعلم بشكل جيد ويجد فرصة عمل حقيقية ده مش موجود. فيه ملايين المصريين موجودون بيعيشوا فى أماكن لا تليق، أنا بتصور إن ده من حقوق الإنسان». طبعا سيادة الرئيس هذا جوهر حقوق الإنسان، لكن الحاجة إلى الطعام لا تنفى الحاجة إلى الحرية، والرغبة فى العمل لا ينافسها سوى الرغبة فى الكرامة، ولن ينال المصرى حقه فى الصحة والسكن إلا لو كفلنا له الحق فى أن يتظاهر احتجاجا على سياسات يراها غير منصفة. أما التعليم يا سيادة الرئيس فلا يكون بتشغيل الطلاب «جواسيس» على زملائهم وتدريبهم على كتابة تقارير للأجهزة بدلا من كتابة رسائل علمية تنير لنا ولهم الطريق.
|