ما الذي يجمع الكاتبة الإسرائيلية، عميرة هاس، بجوليانو مير خميس وفيتوريو أريغوني وفرنسوا أبو سالم؟ في 4 أبريل/نيسان 2011، اغتال "مجهولون" فلسطينيون المخرج والممثل المسرحي ومدير مسرح الحرية في مخيم جنين، جوليانو مير خميس، في جنين، وظل القتلة مجهولين في الدوائر الرسمية الفلسطينية. بعد يوم، خطف إسلاميون فلسطينيون الإيطالي المتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، فيتوريو أريغوني، وفي 20 من الشهر نفسه، وُجد مقتولاً في عملية تصفيةٍ، شبيهة بما تقوم به دولة الإسلام في العراق والشام "داعش". وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أقدم المخرج والممثل المسرحي هنغاري الأب، فرنسي الأم، فلسطيني الانتماء، فرانسوا أبو سالم، على الانتحار في رام الله.
قبل أيام، أقدم طلبة في جامعة بيرزيت على طرد الصحافية الإسرائيلية في صحيفة "هآرتس"، عميرة هاس، وهي المعروفة بتضامنها مع الفلسطينيين، من حرم الجامعة، ومنعوها من المشاركة في ندوة أقامتها الجامعة مع منظمة "روزا لوكسمبورغ"، ما أثار تنديد مثقفين وأكاديميين بالطرد.
لو كان "سعيد أبو النحس المتشائل" حيَّاً بيننا، لصرخ متشائلاً بأن من حسن حظ عميرة هاس، وربما من حسن حظ الفلسطينيين، أن الأمر اقتصر على الطرد من حرم الجامعة، ولم يتجاوزه إلى ما هو أعنف. وربما تكون عميرة هاس إلى اليوم أحسن حظاً من جوليانو خميس وفيتوريو أريغوني وفرنسوا أبو سالم، مع اختلاف الظروف في المكان والزمان. فما هو الجامع بين هؤلاء جميعاً؟
منذ نهاية الستينيات وإلى عام 1982، شهدت المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان ظاهرة الأجانب الأوروبيين وغيرهم، المتعاطفين مع نضال الشعب الفلسطيني الذين عاشوا في صفوف المقاومة الفلسطينية، وقدموا خدمات نضالية، ومنهم من انخرط بالقتال، وقتل في عمليات عسكرية في اشتباكات مع العدو الإسرائيلي، أو في عمليات خارجية، مثل خطف طائرات وغيرها.
ومثل أي مجتمع مضطهد عانى من العزلة، ومن عقلية الغيتو المريرة، يعاني المجتمع الفلسطيني حالة من البارانويا، تجعله يشك بالغرباء، ولا يأمن جانبهم، ولو أكدوا يومياً وقوفهم معه في نضاله لدحر الاحتلال وتقرير مصيره بالحرية والعدل.
نُظر إلى هؤلاء المتضامنين بعين الريبة والشك لدى العامة. ولم تستطع أطروحات اليسار الفلسطيني في السبعينيات، ولا اليوم، أن تصل إلى عمق الوعي الجمعي الفلسطيني، لتقنعه بالنضال الأممي، وتحالف القوى اليسارية العالمية ذات الخلفيات العرقية أو الدينية المختلفة، من أجل تحقيق هدف الانتصار والتحرير. كما افتقد بيان الاحتجاج ضد طرد عميرة هاس إلى رؤية أبعد من التضامن معها، لتشمل مهمات المتضامنين الإسرائيليين مع الشعب الفلسطيني، أمثال عميرة هاس، وطبيعة الحراك التضامني الجمعي في إسرائيل نفسها.
مع تلك الفواجع والخسارات، يبرز سؤال الهوية الفلسطينية، والالتباس والشروخات التي أصابتها. فلم تعد الهوية الفلسطينية واضحة، كما مع صعود الحركة الوطنية الفلسطينية. دخلت إليها شوائب مع نمو الفكر الإسلامي في الوسط الفلسطيني. وصار على هؤلاء المتضامنين المنتمين إلى هويات مختلفة أن يواجهوا صعوباتٍ، قد تصل، في أقصاها، إلى التضحية بحياتهم. فما الذي يمكن أن يفعله إيطالي، مثل فيتوريو أريغوني، في غزة في بيئة الأعلام الخضراء الإسلامية، إذا لم يكن مسلماً عارفاً بأصول الدين! أو ماذا يمكن أن يفعل جوليانو خميس، فلسطيني الأب، يهودي الأم، حامل الجنسية الإسرائيلية، في ظل تصاعد الأفكار والحركات الإسلامية حوله، وهو الآتي بأفكاره اليسارية ليعلم فنون المسرح؟ وماذا يمكن أن يفعل فرنسوا أبو سالم الذي أسس لمسرح الحكواتي في القدس، ووصل بالمسرح الفلسطيني إلى أشهر المسارح العالمية، في ظل الهزائم وغياب المشروع الثقافي؟ |