مايكل وليامس
في عام 1948 كان لبنان من أوائل موقعي الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صاغه جزئياً ممثله لدى الأمم المتحدة، شارل مالك. وبعد 62 عاماً، تنتظر البلاد ثلاث أولويات رئيسية في مجال حقوق الانسان وهي حماية تنوّعه وإنهاء جميع أشكال التمييز، واعتماد خطة عمل وطنية لحقوق الإنسان، وهي حالياً قيد التطوير في المجلس النيابي.
منذ أيام شارل مالك، اتخذ لبنان خطوات مهمة نحو التحقيق الكامل لحقوق الإنسان بما في ذلك اعتماد المعاهدات الدولية الرئيسية، وذلك رغم فترات صعبة في تاريخه الحديث. خضع لبنان منذ أقل من شهر للمراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الانسان في جنيف. وهذه العملية هي مراجعة حكومية دولية لسجل حقوق الانسان لدى جميع الأعضاء الـ 192 في الأمم المتحدة. وهي عملية تجري مرة كل أربع سنوات. وعرض وفد لبنان الانجازات والتقصير في البلاد في مجال حقوق الانسان فضلاً عن نياته المستقبلية، كما تلقى توصيات في شأن اتخاذ مزيد من الخطوات على مدى السنوات الأربع المقبلة. وقد أعدّ لبنان بنجاح تقريره بمشاركة مجموعة متنوّعة من الجهات الحكومية. واضطلعت منظمات المجتمع المدني بدور مهم أيضاً في هذه العملية من خلال مساهماتها المختلفة. أبرز وفد لبنان، خلال المناقشات في جنيف، تنوعه الثقافي والديني الفريد. ويجب، في اعتقادي، أن تبقى حماية هذا التنوع أولوية قصوى في السنوات المقبلة للبنان وللمجتمع الدولي على حد سواء. من أجل حماية هذا التنوّع الغني، فضلاً عن رسالة هذا البلد في التعايش والتسامح، يجب وضع حد لجميع أشكال التمييز وهي الأولوية الثانية الرئيسية لجهود حقوق الإنسان في لبنان.
على سبيل المثال، صادق لبنان على الاتفاق لإنهاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1996، ولكنه فعل ذلك مع إبداء تحفظات مهمة. بعض هذه التحفظات يتصل بالخلل القائم في القانون اللبناني، بما في ذلك المساواة أمام القانون، حق المرأة في إعطاء الجنسية، وانعدام الحماية القانونية ضد العنف المنزلي وما يسمّى "جرائم الشرف"، وحقوق المرأة القانونية، في قوانين الأحوال الشخصية التي تنظم الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث.
تواجه أيضاً عاملات المنازل الأجنبيات – اللواتي يأتين عادة من البلدان النامية – أشكالاً غير مقبولة من التمييز في الوضع القانوني والمعاملة القانونية. وينبغي احترام أولئك النساء اللواتي يتركن منازلهن وعائلاتهن بسبب أوضاع اقتصادية، وذلك وفقاً للمعايير الدولية. إن الأمم المتحدة تتطلع إلى مواصلة التعاون مع وزارة العمل والهيئات الحكومية الأخرى من اجل تحسين حماية عاملات المنازل الاجنبيات وتعزيز الأساس القانوني للمساواة بين الجنسين. كما أدعو المجلس النيابي على الإسراع في اعتماد مشروع قانون معالجة مسألة العنف ضد المرأة.
وفي ما يتعلق بمجال آخر له علاقة بحقوق الإنسان، لقد اتخذ لبنان بعض الخطوات الايجابية في الآونة الأخيرة حيال معاملة اللاجئين الفلسطينيين في البلاد ولكن يتعين القيام بالمزيد. واعتمد لبنان في 17 آب من هذا العام تشريعات لتحسين دخول اللاجئين الفلسطينيين إلى سوق العمل مع بعض الاستثناءات. وكانت هذه خطوة أولى مهمة. غير أن لبنان يستطيع ويجب، بدعم من أسرة الأمم المتحدة، أن يفعل المزيد لانهاء التمييز وتحسين معيشة اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، وظروف عملهم ريثما يمكن التوصل إلى حل عادل ومنصف لمشكلة اللاجئين في إطار اتفاق سلام إقليمي شامل، وعودة اللاجئين إلى وطنهم.
ان محنة اللاجئين غير الفلسطينيين في لبنان هي أيضاً مهمة بالمقدار نفسه، وفي مقامها الأول المواطنين العراقيين الذين هربوا من دوامة العنف في بلادهم ويبحثون عن ملجأ موقت في بلدان في جميع أنحاء المنطقة، بما فيها لبنان. وأنا مسرور بالعمل البنّاء الذي يجري حالياً بين الأمم المتحدة والحكومة في شأن سبل من شأنها أن تسمح للاجئين بالعيش في هذا البلد دون خوف من الاعتقال والاحتجاز والطرد.
وقد شاركت اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان في النقاش حول قضايا حقوق الإنسان الأساسية سواء في ما يتعلق بوضع المرأة وحقوقها أو تلك الخاصة باللاجئين في لبنان. وقد شارفت اللجنة إنجاز خطة عمل وطنية لحقوق الإنسان من شأنها إنشاء هيئة مستقلة مكرّسة لحقوق الإنسان، وفق ضمانات إجرائية في العديد من القطاعات وتحديد الفجوات بين التشريع الداخلي في لبنان والتزامه حقوق الإنسان على الصعيد الدولي. وأعتقد أن وضع الصيغة النهائية لهذه الخطة البرلمانية وتنفيذها هي ثالثة أولوية في مجال حقوق الإنسان في الفترة المقبلة.
وقد جرت مشاورات بدعم من الأمم المتحدة بين اللجنة البرلمانية والوكالات الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني، على مدى السنوات الخمس الماضية، وقد ولّدت آمالاً كبيرة. درس خطة العمل وتقديمها إلى مجلس الوزراء والمجلس النيابي للمراجعة والتصويت سيبعثان رسالة قوية حول اصرار لبنان على سدّ الفجوات المتبقية في نظام حماية حقوق الإنسان الحالي في البلاد. وعلينا تقديم الدعم الجماعي لاعتماد خطة العمل باعتبارها مسألة ذات أولوية.
إن الاحتفال العالمي بيوم حقوق الإنسان لهذا العام مكرّس لـ"المدافعين عن حقوق الانسان الذين يعملون على وضع حد للتمييز". وأنا أعتقد أن حقوق الإنسان تهمنا جميعاً وأن كل لبناني ومقيم في هذا البلد يمكنه الاستفادة من المبادرات المذكورة أعلاه. ويستطيع لبنان أن يفعل الكثير لمواصلة تحسين سجله في مجال حقوق الانسان، ويمكنه الاعتماد على دعم من أصدقائه وشركائه في المجتمع الدولي في هذا الجهد.
(المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان)
|