تشكّل الحملتان رفضاً للعنف ضد المرأة ومطالبةً بقانون يجرّمه ورفضاً للعنصرية والكراهية ضد اللاجئين السوريّين في لبنان، على اختلافهما واختلاف مقارباتهما، علامتين مضيئتين في عتمة الحياة السياسية السائدة في البلاد منذ سنوات. فالقضيتان اللتان تحملهما الحملتان عابرتان للطوائف والمناطق. وهما تُخرجان المنضوين والمنضويات فيهما، لأسباب أخلاقية وثقافية، من اصطفافات سياسية صارت تفتقد بشكل أساسي للأخلاق والثقافة. والحملتان نجحتا إعلامياً في تحريك قضيّتيهما، وتخطّت تغطيتهما الصحافة اللبنانية لتجذب صحافيين من العالم جاعلة منهما خبرين يتداولهما المعنيّون بقضايا المجتمع المدني. وأولاهما، أي حملة حماية المرأة، فرضت نفسها على جدول أعمال جلسة اليوم (الأول من نيسان) البرلمانية. وصار معظم النواب محرجين تجاهها إذ أن كل تصويتٍ على الموضوع سيكون عرضةً للتغطية المباشرة وسيُسمّى النوّاب الرافضون لحماية المرأة من العنف، وأخطره العنف الأُسَري، واحداً واحداً، بما لا يُتيح لهم الرهان على نسيان الناس لأسمائهم ولمسؤوليّتهم القانونية كلّ ما سقطت ضحية جديدة بسبب تعنيف زوجها (أو قريب آخر) واعتدائه الهمجي عليها. كما أنّ الحملتين أتاحتا للمواطنين والمواطنات التعبير الشخصي واختيار شعاراتهما انطلاقاً من تجارب خاصة وعامة ومن مشاعر فرديّة، فتنوّعت الشعارات هذه (بمعزل عن تقييم مضمون بعضها، خاصة في حملة رفض العنصرية) وتناقلتها صفحات "الفايسبوك" والمواقع الإخبارية، وأحسّ رافعوها بمساهماتهم الشخصية المتساوية. وهذا في ذاته عنصر "تمكين" لهم وتشجيع على المزيد من العمل والانخراط في حملات أٌخرى مقبلة، بما يعزّز التضامن الإنساني والعمل المدني على نحوٍ لا يبقى حبيس البيانات أو شاشات الكمبيوتر، بل يُنتج مظاهرات ولقاءات وندوات واعتصامات سيشهد لبنان واحداً منها بالتوازي مع اجتماع المشرّعين في مجلس النواب لمواصلة الضغط عليهم. قد تأتي أولى ثمار تحرّك الداعمين لحماية المرأة من العنف اليوم، فيقرّ البرلمان القانون الخاص بالموضوع من دون تشويهه بالتعديلات. ولكن حتى لو لم يتمّ الأمر، فالحملة مستمرّة، وفيها ما صار يشكّل إعمالاً لمبدأ المراقبة والمحاسبة المواطنية التي يمكنها أن تتعمّم على الكثير من القضايا غير الخاضعة بالضرورة للانقسامات الطائفية والسياسية الكبرى، التي تُتّخذ القرارات فيها أصلاً خارج الحدود الوطنية...
|