فضلاً عن الكلام المكرّر والمعاد مراراً في تمجيد المقاومة، والذي ينمّ عن ضعف هذه المقاومة في "معركة القلوب والعقول"، حمل الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله دعوة واتّهاماً: أمّا الدعوة فهي إلى إجراء الانتخابات الرئاسيّة ضمن المهل الدستوريّة المقرّرة، وهو ما اعتبره المراقبون والمعلّقون تجاوباً مع دعوة البطريرك المارونيّ بشارة الراعي والأقطاب الموارنة لإجراء تلك الانتخابات. وأمّا الاتّهام – وهو بدوره ليس جديداً – فتلك المعادلة الفهلويّة عن الذهب والخشب، والموجّهة إلى رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان الذي سبق له أن وصف ثلاثيّة "الجيش والشعب والمقاومة" بـ "الخشبيّة". والحال أنّ ثمّة تفاوتاً ملحوظاً بين الدعوة، المنضبطة بالإملاء الرئاسيّ وإلحاحه، وبين الاتّهام الموجّه إلى رئيس الجمهوريّة، من ضمن حملة منسّقة تتعدّى حسن نصر الله إلى جميع مؤيّديه ومبايعيه. هذا التفاوت لا يحلّه إلاّ أنّ الدعوة مقصودٌ بها تفعيل الاتّهام، أي التعجيل في ترحيل ميشال سليمان، أو على الأقلّ ضمان عدم تمديده أو تجديده. طبعاً يجوز لحزب الله، كما يجوز لأيّ حزب أو جماعة أو فرد، أن يكون له رأي نقديّ برئيس الجمهوريّة، بعيداً من طقوس اللفظيّات التفخيميّة التي تعجّ بها لغة ثقافيّة متخلّفة يحكمها التبجيل الأبويّ. لكنْ إذا قارنّا ما كان يقوله حزب الله عن الرئيس السابق "المقاوم" إميل لحّود بما يقوله ويعمّمه عن الرئيس الحاليّ ميشال سليمان، تبيّن أنّ الحزب مستعدّ للضلوع في ثقافة التبجيل الأبويّ للرئيس متى وافق هواه وخدم أغراضه وكان مستعدّاً، من دون انقطاع، لأن يغطّي دستوريّاً ما يمثّله الحزب من ازدواج مع الدولة. أمّا حين يبدي الرئيس، كما أبدى ميشال سليمان، أدنى نأمة اعتراض على حزب الله وسياساته، فإنّ الأخير لا يتردّد في سحقه لفظيّاً ورمزيّاً ودفع التشهير به إلى مداه الأقصى. هكذا نكتشف، مرّة بعد أخرى، أنّ حزب نصر الله غير معنيّ لا برئيس الجمهوريّة ولا بالجمهوريّة نفسها، تماماً كما أنّ تشريعات نوّابه في البرلمان تشي بقلّة عنايته بالتشريع وباللعبة البرلمانيّة وبما يُفترض أنّه إرادة الشعب. وحين يقال لدى تشكيل كلّ حكومة إنّ الحزب لا يريد لنفسه حقائب وزاريّة وازنة، وإنّه يمكن أن يتبرّع ببعض حصّته لـ "حركة أمل" أو لغيرها من حلفائه، فهذا أيضاً ينمّ عن ضآلة تعويله، كحزب سياسيّ، على الحكومة. وغنيّ عن القول إنّ المهمّة الطبيعيّة لأيّ حزب سياسيّ توسيع موقعه في السلطة والحكومة.
واقع الحال أنّ الحزب معنيّ بالحياة السياسيّة في لبنان من زاوية واحدة وحيدة، هي ألاّ تعرقل سياساته وخططه وصولاً إلى انخراطه حتّى الأذنين في الحرب السوريّة. أمّا باقي العواطف المعلنة فتندرج، هي الأخرى، في "الخشب"!
|