السبت, 04 ديسيمبر 2010 حازم صاغيّة
ضجيج «ويكيليكس» لم يحل دون تسجيل الملاحظات الجديرة بالتسجيل: فالوثائق توضّب المعلومات أكثر ممّا تُعلم، وهي تدرج المعرفة في قنوات شعبويّة تنحدر أحياناً إلى الفضائحيّة. وهذا من «سمات العصر» على ما كان الشيوعيّون يقولون. لكنّ من سمات العصر نفسه، عصرنا، وهذا هو الأهمّ، أنّنا نعيش في عالم مفتوح بلا أسرار، أو أنّه موشك على أن يكون كذلك. حتّى العوازل الرقيقة بين الرغبات والسياسات المعلنة، والتي تمليها الديبلوماسيّة واعتبارات أخرى، ثقافيّة وغير ثقافيّة، بات المكان يضيق بها. وهذا ما حمل للإسرائيليّين شعوراً صافياً بالارتياح تبعاً للدور الذي تلعبه جلافتهم في إلغاء تلك العوازل بين رغباتهم وسياساتهم: فإسرائيل تقول دوماً ما تريد وما تحسّ.
هكذا التقى الارتياح الاسرائيليّ بالارتياح الممانع الذي يتعيّش على فضائح الديموقراطيّات الغربيّة وحلفائها، عاجزاً عن إنتاج الديموقراطيّة وعاجزاً عن إنتاج... الفضائح.
لكنْ، بينما كانت الوثائق المسرّبة تعلن كم أنّ العالم مفتوح، جاءت الانتخابات المصريّة تعلن كم أنّ مصر مغلقة. فقد اكتمل العقد الذي ابتدأ ردّاً على انتخابات 2005 والتقدّم الذي أحرزته الأحزاب المعارضة آنذاك، وسط «الهيصة الديموقراطيّة» التي أحدثتها «الحرب الأميركيّة على الارهاب».
ولا بأس، هنا، من ملاحظة المسار المصريّ الممانع هو الآخر، ولو بطريقة تخالف ممانعة الممانعين. فقد قطع أنور السادات شوطاً بعيداً في الانتقال التدريجيّ من شرعيّة انقلاب تموز (يوليو) 1952 إلى شرعيّة سياسيّة مفتوحة. تمثّل هذا العبور في الانفتاح الاقتصاديّ، وفي تعطيل حكم الطوارئ، كما في تشريع «المنابر»، ثمّ الأحزاب، وصولاً إلى تشريع «حزب الوفد» في 1978، وهو الحزب الأبرز إبّان الحياة السياسيّة المصريّة قبل الانقلاب الناصريّ. وهذا جميعاً معطوفاً على سياسة السلام كما جسّدتها معاهدة كامب ديفيد في 1979، والتي قوّضت المرتكز القوميّ – النضاليّ لعهد عبدالناصر وشرعيّته.
الآن، وعلى ما دلّت الانتخابات الأخيرة، يتراءى «الحزب الوطنيّ» الحاكم شبيهاً بـ «الاتّحاد الاشتراكيّ العربيّ» السيّئ الصيّت، يحكم وحده، في موازاة تجديد رئاسيّ يلي تجديداً، وحديث متواصل عن التوريث، وعيش يكاد يصير من طبيعة الأمور مع نظام الطوارئ.
هكذا يلوح أنّ مجافاة «العصر الأميركيّ»، ببيته «الامبرياليّ» الأبيض كما بتسريبات ويكيليكس، ليست حكراً على الممانعين، وأنّ ثقافة استبداد و»أصالة» تجمع بين أطياف عربيّة ومسلمة متناقضة على السطح السياسيّ. ولأنّ الأمر على هذا النحو، تبدو المفارقة المصريّة أكبر منها في بلد كسوريّة أو السودان أو إيران، سيّما وأنّ الجيل «المتأمرك» الذي يشرف على انغلاق مصر ليس مهيّأً لهذه المهمّة على النحو الذي كان عليه الجيل الموروث عن انقلاب يوليو برموزه الذين يشبهون حكّام الأنظمة العسكريّة أكثر بكثير.
فمصر اليوم تعاني تناقضاً لا يستطيع النظام كتمانه. ولربّما انتهى الأمر به، هو الذي لا يمكنه أن يكون «ضدّ أميركا»، مضادّاً لويكيليكس الأميركيّة، فيما يقتصر تأثير ويكيليكس، التي لا تأثير لها على سوريّة أو السودان أو إيران، على نظام كالنظام المصريّ. وغنيّ عن القول إنّ الانغلاق، الذي يجعل السياسة سرّاً تعرفه نخبة بالغة الضيق، لا يسعه البقاء طويلاً في عالم مفتوح ولو على نحو فضائحيّ. فضيحة في مقابل فضيحة.
|