الأحد ٢٠ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: آذار ٦, ٢٠١١
المصدر: جريدة المستقبل الللبنانية
 
الذكورة والأنوثة... التمييز يبدأ من اللغة - وفيق غريزي

هذا الكتاب، في جوهره، بحث في التمثلات الاجتماعية، وهو يعني أن مسألة الذكورة والأنوثة في لبنان تم تناولها من خلال تمثل أو تصور الطلاب لها، لا من خلال ممارساتهم. إن البحث، إذاً، هو بحث في الخيال وليس في الواقع، بقطع النظر عن العلاقة بين الاثنين. أما بخصوص التمثلات الاجتماعية فإن ما يبدو حداً أدنى في تعاريفها هو أنها شكل من المعرفة الفردية أو الجماعية يختلف عن المعرفة العلمية وله جوانب ذهنية ونفسية واجتماعية متفاعلة.


"هذه النظرة إلى التمثلات الاجتماعية باعتبارها نوعاً من المعرفة غير العلمية من ناحية، وباعتبار علاقتها بالواقع الاجتماعي كمصدر لها، ولكن أيضاً وقي الوقت نفسه، كموضوع تعيد بناءه، تجعل هذه التمثلات، كما يرى البعض، أقرب ما يمكن إلى الحسّ المشترك الذي يسود في مجتمع أو في جماعة لتأويل الواقع ولتصنيف الأشياء والظواهر والناس فيه، وبالتالي لاتخاذ المواقف منهم".
هكذا تكون التمثلات الاجتماعية طريقة تفكير في الواقع اليومي وفي تأويله، وتكون انتاجاً ذهنياً اجتماعياً يختلف في نمط صياغته واشتغاله عن أشكال أخرى من التفكير الجماعي كالعلم والأساطير والدين والأيديولوجيا وبصورة أدق: يمكن اعتبار التمثلات الاجتماعية معرفة الحس المشترك المصاغة والمشتركة اجتماعياً والتي تُبنى من أجل الممارسة وتساهم في بنيته واقعنا.

دراسات عن المرأة
ثمة ما يدعو إلى الاهتمام بالتمثلات الاجتماعية، بالرغم من أن بعض الناس يتحفظ عليها، خوفاً من أن يغطي التركيز عليها الواقع الاجتماعي. وأمام هذا التحفظ تكرر المؤلفة أن التمثلات هي جزء من هذا الواقع ومجال من مجالات الصراع فيه. أما موضوع الذكورة والأنوثة، فتناوله مهم. لأن هناك دراسات كثيرة عن أوضاع المرأة من زوايا كثيرة، اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية ولكن أغلبها يهتم بالواقع المباشر أو المعاش وبالبدائل أو المطالب التي يطرحها، من دون أن يبرز فيها الاهتمام الكافي بتمثلات هذا الواقع التي هي تعبير عنه ويمكنها، في الوقت نفسه أن تكون مدخلاً من مداخل تغييره.


إن تغيير أوضاع المرأة يتطلب أيضاً تغيير الصور الراسخة عن المرأة في المجتمع وفي ذهن الرجل، كما "يتطلب تغيير الصور التقليدية التي تحملها المرأة أو تستبطنها عن ذاتها. كما أن أغلب الدراسات التقليدية في المرأة تنزع إلى استبعاد الرجل منها، بحيث لا تذكره في الغالب، إلا على سبيل المقارنة، لإبراز دونية وضع المرأة في مجتمع ذكوري". وإذا كان توجه المرأة النضالي يتطلب ذلك فعلاً، فإن الرجل يبقى الوجه الآخر أو طرف المعادلة الذي لا مناص من معرفته. ذلك أن ما تقوله أو تتصوره المرأة لا يتضح إلا بمعرفة ما يقوله أو يتصوره الرجل، والعكس، طبعاً، صحيح. هذا بقطع النظر عن إيجابيته أو سلبيته. وإذا كان هذا صحيحاً فهو ينطبق، بصورة أوضح وأدق على الذكورة والأنوثة لأنه لا تعريف بل ولا معنى لواحدة منهما من دون الأخرى.

الذكورة والأنوثة صور وأحكام
صورة الرجل والمرأة وما ارتبط بها من تمثلات الذكورة والأنوثة هي أكثر الصور خضوعاً للتنميط. ولمعرفة هوية هذه الصورة التي لها مصادرها القديمة ولها رسوخ في المخيال الجماعي، من المفيد استعراض بعض المقولات حول هذه الهوية، وما تحمله من صور وأحكام منمطة.


وتؤكد المؤلفة أن للذكر كما للأنثى خاصيات بيولوجية مميزة تجعل الواحد منهما مختلفاً عن الثاني، فهذا أمر بديهي. إلا أن الاعتراف بهوية أنثوية أو ذكورية غالباً ما يتم إخراجه من بديهيات البيولوجي، في اتجاه توظيفه اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وأيديولوجياً. "هذا هو الذي جعل العامل البيولوجي مرتبطاً بتاريخ المجتمعات والثقافات، وخصوصاً بعلاقات القوة والسيطرة فيها، إذ لكل مجتمع آلياته الخاصة في التعامل مع الفوارق البيولوجية وتكييفها أو تطبيعها ضمن سيرورة يتعلم فيها الفرد ما معنى أن يكون رجلاً أو امرأة، أي أن يكتسب فيها هوية الذكورة أو الأنوثة".


نحن، إذاً أمام معطى بيولوجي طبيعي، من ناحية، ومن ناحية أخرى، نحن أمام توظيف اجتماعي تاريخي يحوّله إلى عنصر أساسي في تكوين الهوية ويبني عليه تمييزاً جنسياً له انعكاسات كبيرة وواسعة في كل مجالات الحياة الاجتماعية. وإذ تترسخ هذه الهوية التمييزية في الذهنية الفردية والجماعية تقوم الثقافة بتنميطها بصورة تضمن لها الاستمرار والانتشار والاستبطان، حتى ولو لم تكن مقبولة، في مستوى الوعي كهوية مفروضة، كما يظهر ذلك في أدبيات الحركات النسوية، وفي ردود فعلها.

الخصائص الطبيعية
من المفيد النظر إلى الهوية الأنثوية والذكورية من خلال الرؤية التي اعتمد فيها البعض الخصائص الطبيعية أو البيولوجية للتمييز بين الجنسين تمييزاً واضحاً يهدف، في أغلب الأحيان، إلى إثبات دونية المرأة بالنسبة إلى الرجل. هذا التمييز النظري أو القائم على معاينات ميدانية كرّس، علمياً، هذه الدونية ونمّط صورتها ونشرها في الثقافة السائدة. والمقصود بالخصائص الطبيعية التي تمثل نقطة انطلاق النزعة التمييزية هو، تقول المؤلفة: "تلك الخصائص المسجلة في طبيعتنا كبشر، منذ الولادة بل وحتى قبلها، وتعبّر عن نفسها في مراحل لاحقة، وبخاصة في مرحلة البلوغ، حيث يفرز الجسد الأنثوي هرمونات معينة، تكسب المرأة صفات مختلفة عن صفات الرجل، تتمظهر عبر مجموعة من العمليات البيولوجية كتلك المتمثلة في الحيض والولادة والرضاعة وانقطاع الطمث، وفي خاصيات أخرى مرتبطة بالخصوبة والإنجاب وحتى بعمر المرأة التي أثبتت بعض الدراسات المعاصرة أنه أطول من عمر الرجل بسبع سنوات في المتوسط".


وإذا كان البعض ينظر إلى هذه الخصائص الطبيعية سلباً، أي باعتبارها تمثل جوانب ضعف عند المرأة فإن آخرين يرون فيها مصدر قوة، إذ ليس بينها وبين السلبية أو الضعف من علاقة تقوم على أساس علمي، وقد يرى البعض أيضاً أن ما يُعتبر ضعفاً عند المرأة، خصوصاً من الناحية الجسدية والوجدانية، هو على عكس ذلك، من مصادر قوتها.


وتعتقد المؤلفة أن ما يُستخلص من الحديث عن الهوية الأنثوية، منظوراً إليها في بعدها البيولوجي، هو ضرورة استحضار العوامل والكيفيات التي تخضع بها السيرورة البيولوجية الأنثوية لمجموعة من الإكراهات الاجتماعية والسياسية والثقافية، في كل لحظة من اللحظات التاريخية التي يمر بها المجتمع. هذه الإكراهات التي تمنح كل لحظة من هذه اللحظات سمات معينة، تهدف إلى التحكم أو التصرف في الهوية البيولوجية للمرأة، تاركة بصماتها وأصداءها قوية في إحساسها بذاتها وفي تصوراتها ومواقفها.

المنظومة اللغوية
إن التمييز بين الرجل والمرأة وبين الذكورة والأنوثة هو تمييز قائم في اللغة، إجمالاً، وفي لسان العرب، تخصيصاً، وذلك بصورة واضحة وقاطعة. ومعاينة هذا الأمر كافية، في ذاتها، لتوجيهنا إلى معرفة المعاني التي تعطيها اللغة للذكورة والأنوثة، وذلك انطلاقاً من مقولة إن اللغة ليست محايدة وإنما تفصح، دائماً، عن مضمونها الاجتماعي، وبالتالي عن الظروف التي نشأت فيها المفاهيم والتعابير، بل وحتى قواعد اللغة نفسها.


وإن القول بأن المنظومة اللغوية تعبّر عن رؤية أهلها للعالم، يعني حسب قول المؤلفة "أنها تعكس واقعهم فتتأثر بطريقة تفكيرهم وتعبيرهم وبأشكال العلاقات بينهم، لكنه يعني، أيضاً، أن اللغة ترسم حدود قدرتنا على التعبير وترسم، تبعاً لذلك، حدود قدرتنا على التفكير المعبّر عنه". وبخصوص العلاقة بين الرجل والمرأة، فإن النساء أكثر استعداداً لاستعمال اللغة الشرعية، لأنهن مروّضات لاستعمالات الهيمنة، بحكم التقسيم الجنسي للعمل الذي يجعل منهن متخصصات في مجال الاستهلاك". وبحكم منطق الزواج الذي هو بالنسبة إليهن. السبيل الأساسي إن لم يكن السبيل الوحيد للصعود الاجتماعي، بدءاً بالمدرسة لقبول ما يستجد من متطلبات سوق الممتلكات الرمزية. وقد نلحظ أن القيم الذكورية التي يتمسك بها الرجل هي من مكوّنات الانتماء الطبقي، ولذلك فإن التنازل عنها هو تنازل عن هذا الانتماء، في حين أن النساء يستطعن التماهي مع الثفافة المهيمنة، من دون الانقطاع عن طبيعتهن، انقطاعاً جذرياً كالذي يحدث مع الرجال. إن تأنيث مفردات لساننا أهم من إصلاح نظام ضبط الكنانة، في رأي الحركة النسوية إذ لا توجد اليوم كلمات تعبّر عن الصفات التي تمنحها بعض الحقوق للمرأة. إن غياب المؤنث في المعجم قد أنتج غياب الحقوق النسوية.


وتشير المؤلفة إلى أن الذين تناولوا اللغة في علاقتها بالجنسانية، توجهوا، إجمالاً إلى اعتبار اللغة مجال هيمنة ذكورية، وإلى أنها قلاع الرجل الحصينة، وهذا يعني سعي الرجل إلى نفي المرأة إلى خارج قلعة اللغة، مما يجعلها خارج مجال صناعة اللغة وانتاجها. ولقد استقر هذا الوضع في اللغة وفي الثقافة. حتى لكأن القلم مذكر، لا من حيث الصيغة اللغوية فحسب، وإنما من حيث الصفة الثقافية والوظيفية والحضارية. هذا هو الإفراز الثقافي والناتج المعرفي لسيطرة الرجل على الكتابة وعلى تاريخ اللغة.

صفات الذكورة والأنوثة
إن التمييز الواضع والمنمّط بين ما يُسند من صفات للجنسين لا ينفي وجود صفات مشتركة بينهما، بعضها جمالي وبعضها فكري واجتماعي. لكن تقول المؤلفة "الأهم من هذا هو أن ما هو مشترك منفتح، ولو إلى حد ما على ما هو عصري أو حديث مثل الثقافة والتعليم أو الانفتاح الاجتماعي، في حين أن التمايز يتغذى، إلى حد بعيد، مما هو تقليدي ويعكس صوراً منمطة، مثل تلك التي سادت في الأدبيات".


وترى المؤلفة أن التلقائية التي يذكر بها الطلاب صفات الذكورة لا تعني العشوائية أو الاعتباطية، إذ وراءها اعتبارات، واعية أو غير واعية، تتحكم فيها. لذلك فهي تختلف اختباراً وأهمية. بحسب الجنس أو النوع، وكذلك بصورة أوضح بحسب الانتماء الطائفي. هذا الاختلاف الذي نجده في كل الجوانب التي تتناولها المؤلفة من الذكورة والأنوثة. هناك توجّه، عند الذكور، إلى إبراز أهمية القوة الجسدية عموماً والجنسية بصورة خاصة، مقارنة بما يسنده الإناث لها من أهمية نسبية. "وهناك توجه عند الذكور أكثر مما هو عند الإناث، إلى ربط الأنوثة بانعدام التجربة الجنسية، مقابل تمسكهم بقوتهم الجنسية، مع الإغراء والنعومة" وهناك بالمقابل توجه، عند الإناث إلى إسناد أهمية أولى لجمال الرجال، وإلى حد ما إلى إناقته، وفي الوقت نفسه إلى يسره المادي وهذه الصفات كلها مذكورة من قبل الذكور أيضاً، أما الصفات التي يشترك في ذكرها الذكور والإناث فمنها: سمو الأخلاق، وهي صفة أولى للذكور ولكنها غير مطلوبة من الأنوثة، وتؤكد المؤلفة: "إنه إذا كان سمو الأخلاق صفة أولى مبحوثاً عنها في الذكورة فإن الجمال هو الصفة الأولى للأنوثة. هذا الجمال مطلوب من قبل الطلاب المسلمين أكثر مما هو مطلوب من قبل الطلاب المسيحيين".

فقدان الذكورة والأنوثة
رأى الطلاب، حسب ما تشير المؤلفة، أن ما ينزع الذكورة هو، أساساً، انعدام القرار والتخنث وإفراط الحساسية مضافاً إليها ضعف الشخصية والخضوع للمرأة. ما ينزع الذكورة هو، إجمالاً، التنازل عن السلطة أو القرار وكل ما قد نشتم منه، في الرجل، رائحة الضعف الأنثوي، أما ما رآه الطلاب نازعاً للأنوثة فهو، أساساً، استرجال المرأة، مضفاً إليه عدم الإثارة وعدم الإحساس. وكذلك نوعية السيطرة عند المرأة، ما ينزع الأنوثة، هو، إجمالاً، التنازل عن صفات أنثوية أساسية كالإثارة والحساسية. وكل ما نشتم منه رائحة القوة الذكورية.


وتصل المؤلفة إلى نتيجة وهي أن الاختلاف الأبرز بين الذكور والإناث وأقربه في الوقت نفسه، هو ما تسنده الإناث من أهمية أولى لانعدام القرار، كصفة نازعة للذكورة. أكثر بكثير مما يسنده له الذكور. وفي المقابل، يعتبر الذكور أن الإفراط في الحساسية أو في التعبير عن الوجدان مفقد للذكورة. "على أن الإناث اللاتي يطالبن بأن يكون الرجل هو صاحب القرار في المطلق، لا يذهبن إلى حد القول بضرورة خضوع المرأة للرجل، إذ يبقى الخضوع مطلباً ذكورياً في الدرجة الأولى".
وإجمالاً، فإن 59% من مجموع الطلاب قالوا بوجود جوانب انثوية عند الرجل وجوانب ذكورية عند المرأة، مع ميل أكبر إلى الاعتراف هذا لدى الطلاب المسيحيين، ويتقارب الذكور والإناث "حول أنثوية الرجل إذا كان مفرط الحساسية أو مؤنث المظهر ناعماً، وحول ذكورة المرأة إذا كانت ذات شخصية قوية، وهو وصف صعب الفهم، إن لم يكن في معنى الاسترجال أو تصرف المرأة تصرف الرجال".

 


[الذكورة والأنوثة في لبنان
[غيدا ضاهر
[منتدى المعارف بيروت2011



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة