ديانا سكيني نجيب الغضبان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "آركنساس" الاميركية، هو من المعارضين السوريين الناشطين في الخارج الذين اضطلعوا بأدوار رئيسة في مؤتمر انطاليا وفي اللجان والحوارات التي سبقت تشكيل المجلس الوطني السوري في اسطنبول. "النهار" طرحت عليه اسئلة ظروف تشكيل المجلس وعلاقته بباقي قوى المعارضة وتصوّراته المستقبلية فكانت الإجابات الآتية:
¶ بعد محاولات طويلة باءت بالفشل، نجح تشكيل أوسع ائتلاف معارض في اسطنبول. كيف تم تجاوز الخلافات؟ وما حقيقة ما يحكى عن ادوار خارجية في هذا السياق؟ - بالفعل لقد كانت هناك جهود حثيثة لتجميع المعارضة، وليس لتوحيدها، فهذا ليس مطلوباً بالضرورة، قامت مجموعة من النشطاء، وغالبيتهم من المستقلين، بأخذ المبادرة ووضعت خريطة طريق لتشكيل مجلس وطني، يربط الداخل بالخارج، ويضع معايير دقيقة لاختيار أعضائه، ثم دخلنا المرحلة الأصعب المتمثلة بالحوار مع قوى الحراك الثوري في الداخل، والقوى المعارضة في الداخل والخارج، لدعوتها للانضمام إلى التشكيل المقترح. لقد جرت هذه اللقاءات في اسطنبول لأسباب عملية، لكونها لا تشترط الحصول على تأشيرة للمواطنين السوريين، كما ساعد تطور الموقف التركي من النظام السوري على الاستمرار في اسطنبول. في هذه الأثناء قام مركز الأبحاث الذي يشرف عليه المفكر العربي عزمي بشارة بدعوة بعض المعارضين السوريين من الداخل والخارج للقاء تشاوري في الدوحة، طرح بعض الأفكار في لقائه الأول، ثم حاول تبني تجميع المعارضة الداخلية والخارجية في لقائه الثاني، لكن نقطة ضعف اللقاء الثاني للدوحة أنه أعطى الأولوية للقوى الحزبية التقليدية لقيادة هذه العملية، وهو ما لم يتوافق عليه العديد من المشاركين، خاصة من أعضاء اللقاء التشاوري في اسطنبول الذين ارتأوا أن الأولوية يجب أن تكون لقوى الحراك الثوري، وللمستقلين، لكن من دون إغفال دور القوى الحزبية التقليدية. وأخيراً، قرر النشطاء الإعلان عن مجلسهم "المصغر" في 15 أيلول الماضي، مع الاستمرار في المشاورات لضم معظم القوى الفاعلة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، وإعلان دمشق، وبعض الشخصيات المستقلة، وعلى رأسها الدكتور برهان غليون، وهذا ماحصل بالفعل يوم 3 تشرين الاول. لقد ساعد على التشكيل الموسع للمجلس عاملين أساسيين: أولهما تصاعد القمع بحق الحراك السلمي داخل سوريا، ومطالبة المتظاهرين بتوحيد المعارضة، إضافة إلى تنامي ظاهرة الانشقاق داخل المؤسسة العسكرية، وثانيهما، التطور في الموقف الدولي تجاه النظام السوري، حيث وصل الكثير من الدول الفاعلة إلى الاقتناع بحتمية سقوط نظام بشار الأسد، ولم يفت القوى التي كانت تتفاوض تلقف هذه الرسالة.
¶ ما هي خطة العمل المقبلة للمجلس على صعيد اكتمال هيكليته التنظيمية ومباشرة عمله؟ - يعمل المجلس على ثلاثة مستويات، الأول اكتمال هيكليته التنظيمية وتسمية مرشحي بعض مكوناته لممثليها في المؤسسات الثلاث المشكلة للمجلس، وهي الهيئة العامة (230 عضواً) من الداخل والخارج، و29 عضواً للأمانة العامة، و 7 أعضاء للجنة التنفيذية من أعضاء الأمانة العامة يمثلون المكونات السبعة الرئيسية للمجلس. كما تم التوافق على أن تكون رئاسة اللجنة التنفيذية بالتناوب بين أعضائها. الخطوة الثانية للمجلس تتمثل في التحرك في اتجاه الدول العربية والإسلامية والدولية للحصول على اعتراف بالمجلس. والمستوى الثالث للحراك يتمثل في وضع الخطط اللازمة لدعم الحراك الثوري الساعي إلى إسقاط النظام، والدخول في مرحلة انتقالية تهيئ لقيام نظام مدني ديموقراطي.
¶ كيف تقوّم ردود الفعل الخارجية لا سيما الأميركية والفرنسية حيال المجلس وهل لديكم تأكيدات بقرب الاعتراف به كهيئة شرعية ممثلة للشعب السوري؟ - نعتقد أن الموقفين الاميركي والفرنسي إيجابيان من المجلس ومن الحراك الثوري في سوريا عموماً، ونعتقد أن هذه المواقف ستتطور مع تشكيل المجلس الوطني. كما نعلم أن الخطوة الطبيعية المقبلة تتمثل في الانتقال من مرحلة الترحيب بتشكيل المجلس إلى مرحلة الاعتراف به. وبالنسبة لنا، سنتحرك بهذا الاتجاه، لكن يهمنا أن تكون بداية تحركنا من المنطقة العربية، ودول الجوار، ثم التحرك في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية.
¶ ألا يكرس الفيتو الروسي - الصيني في مجلس الأمن قواعد لعبة جديدة ويقلل من أثر "الاندفاعة" الغربية المرحبة بولادة المجلس ؟ - بالنسبة للفيتو الروسي - الصيني فقد كان متوقعاً بالنسبة للشق الأول على الأقل، وهو يعكس اعتبارات عدة من قبل روسيا، بعضها يرتبط بنظرتها الضيقة لمصالحها الأنية مع النظام السوري، ورؤية موسكو بأن النظام السوري قد يكون آخر معاقل حلفائها التقليديين، كما يعكس المشاكسة المعتادة مع الدول الغربية. بالنسبة للمجلس الوطني يمثل هذا الفيتو تحدياً مباشراً للتحرك السريع على كل المستويات، بما فيها روسيا نفسها، وذلك لشرح موقف الشعب السوري، إضافة إلى تحرك مع الدول العربية والغربية لممارسة ضغط أكبر على روسيا، وإبلاغ رسالة بسيطة أن مثل هذا الفيتو يعني رخصة للنظام السوري لممارسة المزيد من القمع والتنكيل بحق الشعب الأعزل الأمر الذي يعني أن روسيا ستكون شريكاً غير مباشر في إدامة دوامة العنف والمعاناة بحق الشعب السوري، وعموماً، فمن نتائج الفيتو الروسي تشدد في الموقف الغربي تجاه النظام، ومن المهم دفع الدول العربية لتطوير موقفها بانحيازها الواضح للشعب السوري، ممثلاً بالمجلس الوطني، عندها يمكن أن نتوقع تغيراً في الموقف الروسي.
¶ اتهمتم بتغييب هيئة تنسيق قوى التغيير الديموقراطي عن الحوار بشأن تشكيل المجلس وبدعوتكم افرادا منها للالتحاق به؟ - في الحقيقة لقد كانت هيئة التنسيق جزءاً من الحوار حول تشكيل المجلس في مراحل عدة من تشكيله، لكن كان لديها تصور مختلف عن بقية القوى السياسية، تم التعبير عنه من خلال اجتهادها في عقد مؤتمرها الأخير في ريف دمشق. ورغم احترامنا لاجتهاد الهيئة، فإننا في المجلس مرتبطون بشكل وثيق بالسقف السياسي الذي خطّه الثوار في الداخل والمتمثل بإسقاط النظام بكل رموزه، بما في ذلك رأس النظام، وإقامة البديل الوطني الديموقراطي. وعموماً، فإننا نترك الباب مفتوحاً لهيئة التنسيق ولغيرها في الانضمام إلى هذه المظلة الوطنية الشاملة، إذا ما قبلت بهذا السقف.
¶ رفض بيان المجلس "التدخل الخارجي الذي يمس بالسيادة"، ما ماهية الحماية الدولية التي تتحدثون عنها؟ وماذا عن ترويج اعضاء من المجلس لخطوة فرض منطقة حظر جوي؟ - التدخل الخارجي الذي ورد في بيان المجلس هو التدخل العسكري الأجنبي رغماً عن إرادة الشعب السوري. أما موضوع الحماية الدولية والذي برز كمطلب للمتظاهرين السلميين في الآونة الأخيرة فهو أمر مشروع، وله صور مختلفة، ويكتسب شرعيته من حق المجتمع الدولي في حماية مجموعة معينة من تعرضها للإبادة، وقد لاحظنا أن تصاعد العنف بحق المتظاهرين السلميين، وقتل المعتقلين تحت التعذيب والتنكيل بهم، واختطاف النشطاء، كل هذه الممارسات ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية. في هذه الحالة، من حق الشعوب التي تتعرض لهذه الممارسات طلب الحماية الدولية، ونحن في المجلس ندرس الصور المناسبة للحالة السورية، وسنقوم بكل ما يلزم، ونسلك كل السبل المشروعة دولياً لحماية الشعب السوري من آلة القتل الممنهجة التي يستخدمها نظام المافيا الأسدي بحق الشعب السوري.
¶ في أي لحظة يمكن ان يصبح التدخل العسكري الدولي مقبولا من المجلس؟ - هذا سؤال افترا ضي، فنحن في سوريا نعتقد أن الشعب السوري قادر على إسقاط النظام القمعي، إذا توافرت شروط موضوعية داخلية وخارجية نعمل على إكمالها، كما أن الشعب السوري لديه حساسية تجاه الاحتلال الأجنبي، وحسه الوطني والقومي قوي جداً، ولذا فهو لا يفضل هذا الخيار في التغيير لمعرفته بعواقبه. لكن، وفي الوقت ذاته، عندما يفقد نظام - هو أقرب إلى العصابات المسلحة منه إلى النظام السياسي المسؤول- كل إحساس وطني وإنساني ويهدد بارتكاب مجازر بشعة بحق شعبه، كما فعل القذافي عندما هدد باقتحام بنغازي والانتقام من أهلها، وتوافرت دعوة من ممثلي الشعب بطلب التدخل الخارجي لحماية المدنين، وكان هناك قبول عربي ودولي، من خلال قرار أممي، في مثل هذه الحالة قد يكون التدخل العسكري الخارجي ضرورة لا مناص منها. في مثل هذه الحالة يتحمل النظام ورموزه المسؤولية الكاملة عن عواقب مثل هذا الخيار.
|