الأحد, 05 ديسيمبر 2010 حازم الأمين
اعترضت الولايات المتحدة على نتائج الانتخابات المصرية، وعلى انتهاكات شهدتها هذه الانتخابات قبل وأثناء اجرائها. المستفيد الأول من الاعتراض الأميركي هم جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا المستهدف الأول من الانتهاكات، اما المستفيد خارج مصر من الاعتراض الاميركي، نظرياً على الأقل، فهم أولئك الذين دأبوا على التشكيك بالدور الأميركي، وعلى الارتياب بكل خطوة تقوم بها الادارة الأميركية مهما كانت طبيعتها، بحيث يبدو ان ترددهم في التحفظ على نتائج الانتخابات ناجم عن خوف من وصمهم بالالتحاق بالموقف الأميركي، على رغم ما تشكله فرصة الانتهاكات من إغراء يغني خطابهم.
ومأزق المعترضيــن، جوهرياً، على الموقف الاميركـــي يتكشف كلما لاحت فرصة انتخابات فعلية في المنطقة كلها. ففي فلسطين أُجريت انتخابات بمراقبة دولية وبرعاية أميركية فازت فيها حركة حماس، وما كانت الأخيرة لتفوز لولا الادارة الدولية لهذه الانتخابات. وفي العراق أتاحت الرعاية الأميركية تحديداً للانتخابات هناك وصول رموز الاعتراض على «الاحتلال الأميركي» لهذا البلد عبر ائتلاف «العراقية»، في حين فازت ائتلافات أخرى، مُدانة في خطاب المواجهة ومُنخرطة فيــــه في آن، كـ «دولة القانون» و «الائتلاف الوطني العراقي» وهي كتل ترعاها ايران التي ترعى خطاب المواجهة، ولم يشكل ذلك فرصة لمراجعة الموقف من أميركا.
وطبعاً ليست الانتخابات وحدها ما يكشف عدم انسجام هذا الخطاب، وتواطؤه مع خصومه، لكن للانتخابات نكهة خاصة في سياق كشف الجوهر الشعبوي الهش لهذا الخطاب، فكل محطة انتخابية تمثل فرصة لإدانته. فوز كارزاي في الانتخابات الافغانية اندرج في سياق من الفساد الذي كشفته صحافة العدو وتحدث عنه ضباط «الاحتلال» في ذلك البلد. وفي المقابل، عجز خطاب المواجهة عن استدخال هذه الحقيقة، فكارزاي فاسد لأنه متعامل مع أميركا، وليس لأنه سليل بنية قبلية لا يمكن ان تنتج سلطة من غير طبقة مستفيدين تحميها ومن غير علاقات زبائنية تكرسها.
في ايران، لم يكن مهماً وذا قيمة بالنسبة الى خطاب المواجهة، كل عمليات التزوير والضغط والتهديد التي تعرضت لها المعارضة الايرانية، فالمهم ان أحمدي نجاد يرفع سيف الحرب على الامبريالية. هذه الحرب التي لا يبدو انها تستقيم من دون أثمان تدفعها المجتمعات، قتلاً واعتقالاً وحرماناً من أبسط الحقوق.
اليوم تعترض أميركا على الانتخابات المصرية، واعتراضها شكل رأس حربة الضغوط على السلطة في القاهرة. وفي المقابل، يعجز خطاب المواجهة المعترض بدوره على نتائج هذه الانتخابات عن استثمار الاعتراض الاميركي. فبحسبه، أميركا «شر مطلق» ولا يمكن ان تكون منخرطة في حملة تثبيت حقوق الناخب المصري.
ليس هذا حال جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة على رغم انخراطها المتفاوت والمتقطع في خطاب المواجهة. فالجماعة استطلعت أكثر من مرة احتمالات مهادنة الاميركيين، والاستفادة من الضغوط التي يمكن ان يمارسوها على السلطة، سواء في مصر أم في الاردن، وأوشك الكثير من محاولات الاستطلاع ان ينتقل الى مستوى من التنسيق والوعود المتبادلة، ثم عادت السلطات ونجحت في إفشالها مستفيدة من تردد طرفي المعادلة ومن حساباتهما المعقدة.
لكن السؤال يبقى مطروحاً حول امكان انتاج علاقة بين الطموحات الاميركية والغربية عموماً في إصلاح الانظمة السياسية والاجتماعية الحاضنة لمآزقنا في الشرق، وبين قوى تشكل عماد الخطاب الذي يعتبر الغرب، فقط الغرب، مركز أزماتنا ومآزقنا؟ ويبدو ان لطرفي هذه العلاقة ظروفهما التي حالت حتى الآن دون قيام هذه العلاقة. فالقوى الممثلة لخطاب المواجهة لا يبدو انها مؤمنة بالإصلاحات التي يطمح الغرب الى اجرائها في الانظمة السياسية والاجتماعية، وهي اذ انخرطت في مساعي المشاركة عبر الانتخابات، انما فعلت ذلك بدافع الاستفادة من فرصة للانقلاب، لا بفعل ايمان بالتغيير، وتجربة حركة حماس في غزة خير دليل على ذلك، ناهيك عن الانتخابات الايرانية وما تحمله من دلالات على هذا الصعيد.
كذلك أثبتت تجارب كثيرة ان المضمون الداخلي لخطاب المواجهة لا قيمة له، ولا فارق بينه وبين خطاب الانظمة السياسية القائمة اليوم، لا بل إن الأخيرة قد تتقدم عليه لجهة اختبارها توازنات اجتماعية وثقافية ومحاولاتها إجراء تسويات تسهّل فساد السلطة وتجعله ممكناً. ومقارنة سريعة بين طبيعتي النظام في مصر وفي ايران تثبت ذلك. وما يتبقى من فارق يتمثل في المضمون الخارجي للخطاب لجهة جعل الثاني (ايران نموذجاً) المواجهة وظيفة وحيدة للمجتمع والدولة، فيما يتولى الأول (مصر نموذجاً) توظيف الطاقات كلها لفئة من المستفيدين وحماية لاستمراره.
اما ظروف الطرف الثاني في هذه المعادلة، أي الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، فتتمثل في عدم تحديد الغاية من الاصلاحات المرجوة. فالاصلاح السياسي في مصر يعني بالدرجة الأولى مشاركة فعلية لجماعة الاخوان المسلمين في السلطة، وهذه المشاركة في حال حصولها تعني أيضاً استدخال جزء من خطاب الإخوان في توجهات السلطة المتشكلة من مشاركتهم! وحتى الآن لم تبد الولايات المتحدة الأميركية ترحيباً بتحول الموقع الرسمي المصري على نحو ينسجم مع مشاركة الإخوان فيه، كما أنها لم تقم بما عليها لكي تهضم مصر الرسمية، في حال رغبت في ذلك، هذه الجماعة. فخطاب الإخوان على المستوى الداخلي المصري قد لا يختلف على نحو جوهري عن الخطاب الرسمي، لكن الاختلاف يكمن في الخطاب الخارجي وفي الموقف من عملية السلام. ومساعدة النظام في مصر على هضم جماعة الإخوان، ومرة أخرى في حال رغب في ذلك، تتمثل في جعل عملية السلام ممكنة ومقنعة، وذلك عبر إشعار المصري العادي بانجازها خطوات فعلية لحل القضية الفلسطينية.
على هذا النحو تتغلب مصر على إخوانها، ويستوعب الاردن فلسطينييه، ويُساعد لبنان على تجاوز وظيفة السلاح غير الشرعي فيه. وخلاف ذلك سيبقى الغرب حائراً بين انحيازه للاصلاحات، وبين تحفظه عن القوى التي من المفترض ان تتولى الاصلاحات استيعابها في الانظمة السياسية.
|