لم يتأخر الملك عبدالله الثاني في الحديث مع نواب وأعيان مجلس الأمة، حول الإصلاح الذي بدأ منذ عشر سنوات، ولكنه بات اليوم محل نقد من الملك شخصياً. فكلامه ونقده مسارَ الإصلاح وخيارات الأردن الاقتصادية وسياسات التنمية، لم تحمل تأويلاً يُفضي إلى اجتهادات تفسره، لكنها في الوقت ذاته تلقي على عاتق الحكومة الجديدة (حكومة معروف البخيت) أعباء مضافة.
فتح الملك عبدالله الثاني الباب على أسئلة المواطن الأردني اليومية، والخيارات التي تم تبنيها للإصلاح، ورهن الإجابة بحوار وطني شامل حول القضايا كافة التي تجرى على ألسنة الناس وما كان يرتجى من إصلاح أضحى عنيداً بسبب أو بلا سبب، غير أنه لم يتحقق منه الكثير، وعلى رغم أن الملك كان عفوياً في كلامه النابع من واقع الناس، فجاء منحازاً لحياتهم الكريمة وكبريائهم، إلا أن ذلك ليس بالجديد إذ لطالما اعتاد الأردنيون في القرى والمخيمات والبوادي أن يحل الملك فجأة زائراً يعاين أحوالهم ويتلمس همومهم وهو في ذلك يمارس نهجاً كان والده الملك حسين قد اختطه.
لكن، على رغم كل ذلك، ما الرسالة التي حملها خطاب الملك عبدالله الثاني لممثلي الأمة؟ فحين يحذر من حضروا من عدم استخدام اسمه في القول بأن تعليماته تأتي من فوق، وحين يدعو لمدونة علاقة سليمة بين النواب والحكومة وحين يقرر أن الإصلاح تعطل بفعل منافع ومكاسب النافذين في البلد، فإن التفسير الأقرب لكلامه هو أن من يتولون شؤون الناس في الأردن غير قادرين أو لا يريدون الاقتناع بجدوى الإصلاح، وهؤلاء ورثوا مواقعهم لمحاسيبهم، أو أنهم للأسف شكلوا طبقة من النخبة السياسة الهشة التي ترى أن إي إصلاح يمكن أن يخرجها من الساحة. وبالتالي تصبح العقليات الراغبة بالتجديد ضحية لتلك العقليات المنتمية لزمن آخر. تحدث الملك عبدالله الثاني في ظل استفزاز داخلي للأردنيين على خلفية مقال كتبه احد الكتاب العرب عن نساء الأردن، عن مكابدة الأردنيين للصعاب، وعن خصائص وطن ظل وبقي باب حرية وتعددية، وأشار إلى ما يقلق أي دولة أو يسبب الفوضى، وهو استثمار «فئة» في بساطة الناس ومطالبهم بالإصلاح. هنا كان الحديث الممهد إلى أن الوطن لا يلتفت إلى الوراء ولا تقف في وجه أبنائه هنات وأخطاء الصغار، ولا تدخله الوحشة ولا تنبت فيه للكراهية بذور دائمة.
على رغم كل ما يحدث، يبقى الأردن خالياً من كواتم الصوت التي تنطلق من دول فيها بعض وسائل إعلام ترفع شعار مباشرة الأحداث بوقتها وتأخذ من ذلك شرعية لها، فلا قواعد أميركية ولا سجون ولا أفراد يختفون ويقيدون بأرقام، لا بل إن من ينتقد النظام والملك يُمنى بحراسة ورعاية قصوى، وذلك ما حصل مع النائب والنقيب الأسبق ليث شبيلات، وهي خطوة ليست بالجديدة. فالذين اتهموا بانقلاب على الملك حسين أواسط الخمسينات دخلوا في معادلة السلطة من أوسع أبوابها، أما ليث شبيلات فعندما سجن بسبب إطالة اللسان على الملك حسين وزوجته الملكة نور وحكم أوائل عام 1996، فإن الملك حسين ذهب شخصياً واصطحبه بسيارته وأعاده إلى البيت بعد الإفراج عنه.
في الأردن عمق للحرية، أشار له الملك عبدالله الثاني في خطابه أمام النواب والأعيان، تحدث عن غياب الدم السياسي في قاموس الأردن، وغياب المصائر «اللامعروفة» للناس مهما اختلفوا مع الدولة، ولو أحصيت المواقف لكتبت في ذلك أسفار، لكنها تظل من الخُلق الهاشمي الذي يمنحها من الخفر حماية وحرصاً في درء الإفصاح بالكلام. وإلى الأردن جاء الأشقاء للملاذ أو العلاج، من سورية أكرم الحوارني وناظم القدسي، ومن العراق إياد علاوي ومحمود المشهداني ورغد صدام، ومن فلسطين جورج حبش وخالد مشعل ثم أقام محمود درويش في عمان وودعه الأردنيون بما يليق.
* كاتب وباحث أردني
|