الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٢٥, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
 
سقوط الخوف والأفكار المسبقة - وليد شقير

سقطت أفكار مسبقة ومقولات كثيرة بسقوط النظامين في تونس ومصر، ومع قرب سقوط نظام معمر القذافي الذي بات محتماً في ليبيا، على رغم المجازر الفظيعة التي يرتكبها، وهو يلفظ حشرجاته الأخيرة، وعلى رغم الخسائر الهائلة بالأرواح التي تسبب وسيتسبب بها.


وأول المحظورات التي أسقطتها الحركة الشعبية المتنقلة بين دول المنطقة ان حاجز الخوف من القمع قد انكسر في مواجهة آلة القمع الجهنمية المترسخة على مر العقود، سواء كانت على شكل اجهزة أمنية، أم على نمط تشكيلات حزبية، أم في صيغة بلطجية أو ميليشيات وقوات خاصة موازية للقوات المسلحة التابعة للدولة التي يحكمها الديكتاتوريون، ام كانت في لبوس جهة فئوية أو طائفية أو قبلية من المجتمع.


سمح انكسار حاجز الخوف، الذي تعتمد الأنظمة على القمع المتواصل وعلى بطش وسائل القوة التي تملكها لترسيخه من اجل تدجين الشعوب وإخضاعها، بمواجهة تلك الأنظمة بالصدور العارية وبتصميم كان يستحيل توقعه، أنتج كما في حال ليبيا بطولات وعدداً ضخماً من الشهداء.


صحيح ان ظروف تونس ومصر اختلفت عن ظروف ليبيا، إلا ان تصميم الشباب الثائر والجمهور العريض والقوى الاجتماعية المتمردة على اختراق حاجز الخوف هو ما دفع قوى أخرى في المجتمعين، ولا سيما جيشي البلدين الى التعجيل في إنهاء احتكار السلطة فيهما. وكسر حاجز الخوف في ليبيا هو الذي يدفع الشباب الثائر وشرائح المجتمع الى العناد في مواجهة جرائم نظام القذافي وجنونه غير المسبوق إلا لدى صديقه القديم عيدي أمين في أوغندا. وبذل الدماء هو الذي يُقنع ضباطاً وقيادات في أجهزة الأمن والجيش بالاستقالة والخروج على سلطة الديكتاتور، لأن سقوط الخوف أمام المجازر أيقظ في كثيرين روح التمرد الكامنة بفعل تراكم القمع...


لقد انتقلت عدوى كسر حاجز الخوف كالنار في الهشيم نتيجة تراكم تجارب عدة خلال السنوات الماضية. وإذا كان لكل دولة ظروفها التي تحدد توقيت التمرد الشعبي، فإن سقوط الخوف شكّل وسيشكل، في انتفاضات مقبلة، القاسم المشترك بين الدول المهيأة للتغيير.


سقطت مع انكسار الخوف أفكار مسبقة عبّر عنها عدد من الشباب الليبي على الفضائيات حين افتخروا بثورتهم قائلين انهم غيّروا الصورة المهينة التي كان يُنظر بها إليهم على أنهم شباب خامل ومتخلف بعيد عن الحضارة والحداثة، غير مؤهل علمياً وثقافياً، بسبب هيمنة سياسة النظام على حياتهم من دون أي تمرد على الإهانة التي يجسدها حاكم مثل القذافي لهم ولبلدهم. أسقط الشباب الليبي هذه الأفكار المسبقة مثلما أسقطها الشباب التونسي والمصري قبله، بل ان الشعور بالإهانة هو الذي دفع الى رفع شعار «الكرامة» في ميدان التحرير في القاهرة، وسرعان ما ظهر أهم الكوادر والكفاءات في الدول الثلاث، سواء في بلاد الاغتراب والتهجير أم في الداخل الثائر.


سقطت أفكار مسبقة كثيرة سعت الأنظمة التوتاليتارية المقنّعة بشتى الشعارات الى التلطي بها. فقد تهزّأت نظرية ان التغيير في بعض الأنظمة المستقرة بفعل القمع وسيطرة «الديكتاتور المستنير»، سيؤدي الى سيطرة التطرف الإسلامي وصولاً الى «القاعدة»، فظهر ان الإسلاميين في الثورات الثلاث ليسوا هم الأكثرية، فضلاً عن ان السواد الأعظم منهم يتصرف بواقعية واعتدال ويسعى الى دولة مدنية وليس الى دولة دينية. وبدا أن التوق الى التغيير يسقط التخويف من الانتقال الى التناحر القبلي والطائفي الذي تحذر الأنظمة المهيمنة منه لمقاومة أي تحديث او استجابة لمطالب شعبية. بل على العكس ظهر واضحاً ان ثورة مصر سببت تراجعاً في التناقضات القبطية – الإسلامية. وثورة ليبيا كانت عابرة للقبائل التي لعب «نظام القذافي» على تناقضاتها.


كان سقوط المقولة بأن اقتلاع الديكتاتوريات لا يتم إلا من الخارج كما في نموذج العراق، مدوياً. بل ان ثورتي تونس ومصر أثبتتا كم ان هذا الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية كان متواطئاً، بهذا القدر أو ذاك مع الأنظمة وتردد أمام تصميم شعوبها بحجة الخوف على الاستقرار من التغيير، واستلحق نفسه في اللحظات الأخيرة.

 



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة