ما يجري في القصير وحمص وحلب ودرعا ودمشق وغيرها، على فجاجته، هو باختصار صراع على تعريف سوريا، بعد أن باتت، طوال أربعة عقود، تعرّف بأنها "سوريا الأسد". فكل شيء في هذا البلد بات يكنّى تبعاً لذلك، حتى تاريخها أضحى يبدأ بذلك، لدرجة أنها تحولت جمهورية وراثية، وباتت بمثابة ملكية خاصة، كأنها كانت أرضاً يباباً، لم يكن فيها سوريون قط، وكأنها لم تكن إلا حين بعثت، مع بعث الأسد.
مع ذلك ففي غضون الصراع على تعريف سوريا، وعلى وجود السوريين، ثمة صراعات وقصص أخرى، منها النبيل والنزيه، ومنها الخسيس والخبيث، يأتي ضمنها الصراع على شكل النظام السياسي، والحريات، وتوزيع الموارد، ومعنى المواطنة، وحسابات الطوائف والإثنيات، وطموح أصحاب الايديولوجيات والأديان، ومداخلات الصراع مع إسرائيل، وتوازنات القوى الإقليمية، ومصالح الشرق والغرب، ووضاعة الصيّع وشذاذ الآفاق.
القصّة أن السوريين الذين كانوا منسيّين، ومغيّبين، ومهمّشين، انفجروا فجأة، وخرجوا الى العلن، مرة واحدة، وبطريقة قاسية، بقدر مافي شعار: "سوريا الأسد إلى الأبد" من قسوة، وبقدر ماواجه السوريون من أهوال، منذ قصّة أطفال درعا، وفضّ اعتصامات أهالي حمص وحماه في الساحات العامة بالرصاص.
لكن، وماذا بعد؟ طبعاً من السذاجة الاعتقاد أن الأسد يتوخّى حلاً سياسياً، فهو لا يعترف بالشعب أصلاً، ويعتبر البلد بمثابة "عزبة" خاصّة، وما يعنيه من المشاركة في المؤتمر الدولي، المعتزم عقده، مجرد الحوار، وبأحسن الأحوال المفاوضة تحت سقف "الوطن"، أي المفاوضة على كل شيء لا يخلّ بمعنى "سوريا الأسد".
في المقابل ثمة سذاجة في الاعتقاد بأن بوسع "الجيش الحر"، والجماعات المسلحة، الحسم بقواهم الذاتية، في المدى المنظور، أولاً، لأن امكاناتهم العسكرية محدودة، بالقياس لقوة النظام. وثانياً، لأن الدول الكبرى لاتجد مصلحة في تسليحهم، وهي تشترط عليهم قبلاً توضيح تصوّراتهم للمستقبل. وثالثا، بسبب دمار وضياع مجتمع السوريين الحاضن للثورة.
والحال، فما ينبغي إدراكه جيداً، في ضوء كل هذه الظروف والتعقيدات، أن عمر هذا النظام انتهى، منذ ظهر السوريون في حارات المدن والأرياف، وصار لهم صوت يقول: "الشعب السوري ما بينذل"، فمن حينه انتهت قصة الأبد السوري، وبقيت التفاصيل.
هنا بالضبط يأتي دور الحلول السياسية، التي ربما تعوّض الخلل في موازين القوى، والتي ينبغي الاشتغال عليها بصبر وحكمة، طالما أنها تتأسّس على رحيل الأسد، ولو بأي طريقة، وطالما أنها تحقن دماء السوريين، وتضع حداً للهول الذي اخذ حياتهم خلال أكثر من عامين، وطالما أنها تبقي بقية من أمل عند كل السوريين.
كاتب فلسطيني |