الأربعاء ٢٧ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ١٥, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
الثروة مقابل الثورة في مصر - خليل العناني
يقول الخبر إن «حسين سالم قرر التنازل عن 75 في المئة من أمواله بالداخل و55 في المئة من أمواله بالخارج مقابل رفع اسمه من قوائم المطلوبين وانتهاء الملاحقة القضائية له ولأسرته». وحسين سالم لمن لا يعرف هو أحد بارونات المال والسلطة الذين توحشوا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وهو مهندس صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل التي سمحت للأخيرة بالحصول على الغاز المصري بأبخس الأثمان، وكان بمثابة الداعم الأساسي لنظام مبارك طيلة ثلاثة عقود من خلال إدارته ثرواته وأمواله داخل مصر وخارجها. أما عن ثروة حسين سالم فيقدرها البعض ببلايين الدولارات.
 
يقول خبر آخر «رشيد يتقدم ببلاغ للنائب العام يتهم فيه عز بإهدار المال العام». ورشيد هو وزير التجارة والصناعة في عهد مبارك والهارب في إحدى الدول الخليجية، أما عز فهو رجل الأعمال المعروف أحمد عز، أحد أكثر رجال الأعمال المصريين فساداً طيلة العقدين الأخيرين والمحبوس على ذمة قضايا فساد واستغلال للنفوذ والإضرار بالمال العام. ولكي نفهم مغزى الخبر كان علينا الانتظار يومين كي نقرأ خبراً آخر هو «رفع اسم رشيد محمد رشيد من قوائم ترقب الوصول بمطار القاهرة».
 
لا تتوقف قرارات وسياسات الرئيس محمد مرسي وجماعته عن إبهار الجميع. فتحت لافتة «المصالحة واسترداد الأموال المنهوبة» قرر الرئيس وجماعته التطبيع مع دولة مبارك برموزها ورجالها وسياساتها. لا يهم أن يكون مثل هذا التطبيع على حساب الثورة ومبادئها ورجالها الذين جاؤوا بمرسي إلى السلطة، ولا ضير في أن يكون ذلك منافياً للقيم والأخلاق التي دائماً ما يتحدث بها «الإخوان»، وإنما المهم هو مصلحة الجماعة والبقاء في السلطة بأي ثمن.
 
فملف المصالحات المزعومة شمل حتى الآن جميع رموز الفساد والاستبداد في عهد مبارك، ومن لم يخرج بالمصالحة خرج بأحكام قضائية يشوبها العوار القانوني وتفوح منها رائحة السياسة بصفقاتها وتسوياتها. وبينما يخرج أعمدة نظام مبارك مثل صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق ومسؤول الإفساد السياسي وزكريا عزمي رئيس الديوان الجمهوري ومهندس التوريث وسامح فهمي مسؤول الإفساد الاقتصادي وممول حملة التوريث وقبلهم أحمد نظيف رئيس وزراء مبارك وأحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب لأكثر من عشرين عاماً، يجري اعتقال واحتجاز وتعذيب النشطاء السياسيين مثلما حدث أخيراً مع أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل وأحد القادة الحقيقيين لثورة 25 يناير. نسي مرسي أن ماهر وغيره من قيادات الثورة كانوا سبباً أساسياً في وصوله إلى السلطة. فكان رد الجميل بالحجز والاعتقال قبل أن يتدخل النائب العام ويفرج عنه بكفالة. عشرات أمثال ماهر لا يزالون في سجون مرسي ومن لم يسحل ويعذب ويقتل برصاص وزارة الداخلية، يقتله الإهمال والفساد البيروقراطي الذي لم يتغير طيلة الشهور العشرة الماضية كما حدث في كوارث القطارات واستاد بورسعيد وغيرها.
 
منذ وصوله إلى السلطة حاول مرسي وجماعته السيطرة على مواقع التأثير في الدولة كالجيش والداخلية والقضاء والإعلام، فلما فشلت السيطرة بالمواجهة تم الانتقال إلى البديل الثاني وهو السيطرة من خلال التطبيع والاحتواء والتدجين على غرار ما كان يفعل مبارك وإن بدرجة أقل كفاءة وحنكة، ولا عزاء للثورة وشبابها. فعلها مرسي مع العسكر حين أزاح المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان مقابل منح المؤسسة العسكرية ضمانات وامتيازات وحصانة دستورية لم تحصل عليها في تاريخ مصر الحديث. وفعلها مع الداخلية حين رفض أي إصلاح حقيقي لها وقام باحتواء وزيرها ومسؤوليها وضباطها تحت وصلات الإطراء الدائم إلى درجة أن اعتبرها أحد أضلاع ثورة 25 يناير، على رغم أن الثورة قامت بالأساس ضد جرائم الداخلية والشرطة. وأخيراً وبعد مواجهة عاصفة مع المؤسسة القضائية على خلفية أزمة قانون السلطة القضائية، تراجع مرسي وقرر ترويض وتقويض المؤسسة من الداخل فقام بتعيين المستشار حاتم بجاتو، الرئيس السابق لهيئة المفوضين في المحكمة الدستورية العليا، وزيراً للشؤون القانونية والنيابية، وهو كان بالأمس القريب خصماً لـ «الإخوان» وعنفته صحافتهم ووسائلهم الإعلامية. وللحق فلم يخيب بجاتو ظن «الإخوان» ومرسي، فقد بدأ الرجل عهده بالثناء على الدستور الذي وضعه «الإخوان» والسلفيون ومرروه على رغم الاعتراضات الكثيرة عليه. ويظل الإعلام المؤسسة الأخيرة التي فشل مرسي و «الإخوان» في احتوائها على الأقل حتى الآن.
 
التفاوض الآن بين مرسي وخصومه يجري على جسد الثورة ومطالبها ومبادئها. فقبل يومين رحب المستشار إيهاب فهمي المتحدث باسم الرئاسة المصرية بملف المصالحة مع رموز النظام القديم وقال في مؤتمر صحافي «إن الرئاسة ليست في خصومة مع أحد سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي، وهو ما تؤكده سياسة الرئاسة في المرحلة السابقة بالخطوات التي اتخذتها تجاه رجال الأعمال». لم يعد الأمر سراً إذاً أو به شيء من خجل. فمرسي و «الإخوان» في حاجة ماسة إلى أموال المسؤولين السابقين من أجل الخروج من عنق الأزمة الاقتصادية الخانقة. وهم في سبيل ذلك لا يرون مشكلة في التغاضي عن فساد هؤلاء تحت ذريعة «إنه الاقتصاد يا غبي». قطعاً لا مانع من استرداد الأموال، ولا اعتراض على التصالح مع الفاسدين اقتصادياً، فهذا حق الدولة وشأن من يحكمها، ولكن ماذا عن حق الشعب؟ وماذا عن الفساد السياسي؟ وماذا عن الحقوق الجنائية للشهداء؟ وأين حق الثورة؟ والمدهش في كل ذلك ليس فقط بيع الثورة من أجل الحصول على الثروة، وإنما لأنه لا توجد معايير أو رؤية واضحة في مسألة التصالح، فلا يعرف أحد ما هو حجم الأموال المفترض استردادها؟ ومن سيأخذها؟ وكيف سيعاد توزيعها؟ وأين حق المجتمع في كل هذا؟
 
لا يرى الرئيس مرسي وجماعته غضاضة في أن تظل المنظومة القانونية لحماية الفساد والفاسدين كما هي من دون تغيير، شأنها في ذلك شأن بقية الملفات العالقة، فهي توفر لهم غطاء يسمح بالتصالح والمناورة وعقد الصفقات وترفع عنهم عبء النقد واللوم. فقانون التصالح جرى وضعه وتمريره أثناء وجود المجلس العسكري في السلطة وذلك تحت سمع وبصر «الإخوان» الذين كانوا يسيطرون على مجلس الشعب آنذاك. وقد كان بمقدور الرئيس مرسي، إذا رغب، أن يقوم بتغيير القانون بعدما تولى السلطة أو على الأقل أن يطرحه للنقاش والحوار مع بقية القوى المجتمعية والسياسية كي يعرف الجميع شروط ومواصفات وسقف التصالح. ويظل الأنكى ما صرح به المستشار مصطفى الحسيني، المحامي العام الأول لنيابة الأموال العامة، حين قال «إن مصر لم تسترجع قرشاً واحداً منذ قيام الثورة ولمدة عامين كاملين». أي أننا نتحدث عن مصالحات بلا ثمن، وبيع للثورة مقابل قبض الريح.
 
دعك من بلايين الدولارات التي جرى نهبها من المواطن المصري على مدار عقود حتى وصل الدين الخارجي لمصر إلى 34 بليون دولار قبل الثورة مباشرة. ولكن، ماذا عن الجرائم السياسية التي ارتكبها رموز النظام القديم مثل الشريف وعزمي وفهمي وسرور وقبلهم مبارك وولداه؟ وماذا عن القمع والعنف والقتل الذي تعرض له السياسيون (ومنهم «الإخوان») والثوار وكان جميع هؤلاء شركاء فيه إن لم يكن جنائياً فعلى الأقل سياسياً؟ إذا كان من حق مرسي و «الإخوان» أن يفرّطوا في حقوقهم تجاه النظام القديم ويعيدوا التطبيع مع رموزه ورجاله، فليس من حقهم أن يجبروا الآخرين على قبول ذلك. فالحقوق لا تسقط بالتقادم، والثورات الحقيقية لا تعرف التطبيع.
 
 
* كاتب وأكاديمي مصري - جامعة دورهام - بريطانيا



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة