حجّتان اثنتان تردّدتا بعد الضربات الإسرائيليّة الأخيرة ممهورتان بتوقيع الممانعة، مردّدوهما يتوزّعون على مراتب عدّة في هرم السلطان الممانع.
أولى الحجّتين أنّ سوريّة ستتحوّل دولة مقاومة، وكان الظنّ أنّها ليست سوى دولة مقاومة، وأنّ هذا الواقع إنّما يرقى، في أدنى تقدير، إلى تولّي الرئيس الراحل حافظ الأسد زمام السلطة في 1970. أمّا الحجّة الثانية، الأكثر استراتيجيّة، فمفادها أنّ قيادة التصدّي لإسرائيل ستتركّز، من الآن فصاعداً، في يد إيران وفي معيّتها «حزب الله» الذي أعلن أمينه العامّ افتتاح جبهة الجولان. وهذا تحصيل حاصل ما دام الإسرائيليّون، كما قيل مراراً، قد استهدفوا إيران وحزبها من خلال استهدافهم دمشق.
لكنّ الحجّتين حين تؤخذان معاً، وفي الخلفيّة أنّ الردّ على إسرائيل آت لا محالة، ترسمان أفقاً لا يقلّ إعتاماً عن الأفق الذي رسمته الضربات العسكريّة.
فسوريّة ستكون، إذا ما صدّقنا الرواية الممانعة، دولة مقاومة قيادتها في إيران! أي أنّها ستكون جزءاً من المقاومة ومن استراتيجيّتها، بعدما كانت المقاومة جزءاً منها ومن استراتيجيّتها. وهذا ما يحمل على التذكير بيوم كانت قوّات الفيتكونغ تقاتل في جنوب فيتنام فيما القيادة الفعليّة في هانوي الشماليّة بزعامة هوشي منه.
وبعض ما يترتّب على هذا، إذا ما صدّقناه، أنّ «الدولة» في سوريّة مرشّحة لأن تغدو ميليشيا، وفي أحسن الأحوال، قوّة غير نظاميّة تخوض حرباً شعبيّة قد تغدو طويلة الأمد. فهي، من داخلها ومن خارجها، باتت أشدّ هلهلة من أن يتمّ التعامل معها كدولة سيّدة.
وأمّا القيادة الطهرانيّة للمواجهة فتشي بالمدى الذي بلغه تبخّر السلطة السوريّة، ومعه تبخّر عروبتها أو ما تبقّى منها. وحين يقول رسميّ إيرانيّ كبير إنّ بلاده ستخوض معركة تقضي على «كلّ» الشرور دفعة واحدة (ولو قال على نصفها لصدّقناه)، يكون يعلن عن موقعه القياديّ، ولو من طريق تكبير الكلام.
واقع الحال أنّ الحجّتين أعلاه تشيران إلى الرغبات أكثر كثيراً ممّا تشيران إلى الوقائع والاحتمالات. فالسلطة السوريّة المُقوّضة لن تكون فيتكونغ إلاّ على شعبها. وربّما استلهم بناة هذا السيناريو وضعها الميليشيويّ الراهن كي يرشّحوها للدور المقاوم الذي رشّحوها له. أمّا أن تتولّى إيران الدور القياديّ، فهذا يبقى صحيحاً شرط ألاّ يعني تورّطاً إيرانيّاً في القتال. والحال أنّه منذ انتهاء الحرب العراقيّة – الإيرانيّة أواخر الثمانينات، لا يوجد دليل واحد على أنّ الإيرانيّين يخوضون حروبهم بأنفسهم.
ما الذي يتبقّى إذاً من ذلك السيناريو - اللعبة؟
في آخر المطاف، يلوح، مع الضربات الإسرائيليّة الأخيرة، أنّ حروب الخارج قد اختُتمت وأقفلت بالشمع الأحمر، لأنّها باتت مواجهات بين طرف يملك السلاح وعدّة العدوان، فضلاً عن قراره، وبين طرف لا يملك إلاّ الكلام المتورّم والهواء الساخن. أمّا حروب الداخل، على أنواعها، فهي التي تتفجّر اليوم وتتناسل بهمّة لا نظير لها. وهذه هي، بالضبط، الاستراتيجيّة الإيرانيّة لمنطقة المشرق العربيّ ولمستقبلها.
|