الثلثاء ٢٦ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ٧, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
الضربات الإسرائيليّة: الموت كمطلب لذيذ - حازم صاغية
حين تقصف إسرائيل، دفعة واحدة، 40 هدفاً في ضواحي دمشق، وحين تكون هذه الضربات الثالثة من نوعها في غضون أشهر، والثانية في غضون أيّام، وذلك من دون ردّ سوريّ عليها، فهذا يعني شيئين متلازمين: أنّ سوريّة لن تردّ، لا غداً ولا بعد غد، وبغضّ النظر عن كذبة اختيار المكان والزمان الملائمين، وأنّها، حتّى لو أرادت أن تردّ، غير مهيّأة لذلك، لا غداً ولا بعد غد، وإلاّ لما كان قد قُصف لها 40 هدفاً دفعة واحدة، ومن دون ردّ.
 
يترافق هذا العجز المعلن، وذو السوابق الكثيرة، مع استئساد بعيد تمارسه السلطة السوريّة على شعبها، يضطلع فيه سلاح الجوّ السوريّ (الذي لم يردّ على الإسرائيليّين) بدور بارز.
 
بيد أنّ المقارنة هذه التي لم تفت معظمَ السوريّين المعارضين، تدفع إلى الجزم في أمر واحد: إنّ هذا النظام وجيشه مصنوعان لهدف وحيد هو التحكّم بالشعب السوريّ ومنعه من الحرّيّة. وإنّما في الإطار هذا تعمل لفظيّة الصراع مع إسرائيل كواحدة من ديناميّات التحكّم المذكور.
 
يصحّ هذا التقدير لا في النظام السوريّ فحسب، بل أيضاً في منظومة الممانعة كلّها أنظمةً وتنظيمات: ذاك أنّ إيران شاركت في الردّ بعرضها التدريب على الجيش السوريّ! وحين ندرك كم تستغرق دورات التدريب من وقت، نفهم أنّ العرض الإيرانيّ إنّما يكتفي بإضافة الملهاة إلى المأساة. أمّا «حزب الله» الذي لم يعد يتستّر على مساعدته للنظام في معارك القصير وحمص، فيمتنع عن مساعدته في مواجهة الضربات الإسرائيليّة، علماً بأنّ خطب الأمين العامّ لـ «حزب الله» كادت تقنعنا بأنّ إسرائيل كلّها غدت في مرمى نيرانه وصواريخه.
 
المقارنة بين السلوكين ترقى إلى دعوة تُوجّه إلينا، للمرّة المليون، كي نغادر عالم الأكاذيب الملوّنة التي لا يزال بعضنا يعيش فيها. وحين يظهر معارضون سوريّون يقولون إنّ الضربات الإسرائيليّة جاءت للتغطية على ارتكابات النظام، فهم لا يفعلون سوى تجديد انتسابهم إلى تلك الأكاذيب، ولو من موقع سياسيّ مغاير. وبهذا فهم يردعوننا عن التوصّل إلى الاستنتاجات الجذريّة التي آن الأوان لتحصين عقولنا بها. ذاك أنّ الوطنيّة والقوميّة في أشكالهما الأكثر احتقاناً، البعثيّ منها وغير البعثيّ، ليستا سوى وصفة لإذلال الشعوب العربيّة والحؤول بينها وبين السير على طريق التقدّم. هذا ما كان معمولاً به في 1967، وما هو معمول به اليوم على نطاق أوسع. وما يصحّ في تلك الوطنيّات اللفظيّة المهتاجة، آنذاك واليوم، يصحّ في الأدوات التنفيذيّة التي تمتلكها تلك الوطنيّات جيوشاً ومخابرات وأجهزة أمن.
 
ولا يخلو من دلالة، فعليّة ورمزيّة في آن، أنّ «الفرقة الرابعة» التي استُهدفت إحدى وحداتها بالقصف، تحتلّ موقعاً متقدّماً جدّاً في البطش بالسوريّين وإذاقتهم الموت والهوان. لكنّ ذلك لم يحل دون ظهور الأصوات التي تطالب السوريّين بالتعبير عن الحزن والمرارة بسبب ما أصاب تلك «الفرقة الرابعة» لمجرّد أنّ إسرائيل، ولأغراض تخصّها وحدها، هي من نفّذ هذه العمليّة!
 
هكذا تصل المتاجرة بالأكاذيب والأوهام، أو إيديولوجيا الأكاذيب والأوهام عند الصادقين، إلى حدّ المطالبة بالتعامل مع الموت الآتي من «الفرقة الرابعة» كمجرّد محطّة لذيذة بين كذبتين.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة