الأحد ٢٤ - ١١ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٩, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
«تحيا الثولة!!» - محمد صلاح
بينما تتجه الثورة المصرية إلى مزيد من الفشل وتُزيد تداعياتها الأعباء على المواطن البسيط، الذي تصور حين شارك فيها أن بلده سيتجه إلى التحضر والتمدن والتقدم، فإذا بها تنحدر إلى هوة التخلف والفقر والانفلات، فإن كل أطراف الأزمة المصرية ورموزها ما زالوا ينسبون أنفسهم إلى الثورة، ويحذرون من ضياعها أو الانحراف بها من دون أن يكلف أي طرف واحد منها نفسه الاعتذار عن أخطاء وقع فيها، أو يقر بأن تصرفاته أو قراراته أو مواقفه كانت سبباً في ما آلت إليه الثورة والأوضاع التي أفرزتها. وإذا سألته عن الحقائق على الأرض فإنه يختار الإجابة الأسهل ويلقي بالمسؤولية دائماً على الآخرين. ليس سراً أن الثورة المصرية تحولت بالفعل إلى شيء آخر، وأن أهدافها لم تتحقق بل انتكست، وأن فئات من المشاركين فيها ندموا على اليوم الذي هتفوا فيه في ميادينها، أو اعتصموا في شوارعها، أو رأوا الشهداء يسقطون على أعتابها. بينما قطاع آخر ما زال يتمسك بالأمل، ويرى أن ما يحدث أمور طبيعية تقع بعد الثورات! أو أن الشعب سينتفض مجدداً لينقذ ثورته، فيما الفئات التي استفادت من الثورة وقطفت ثمارها غابت عن المشهد إما مشغولة بفوائد الثورة وعوائدها أو تدعي أن الأحوال «عال العال» وتفسر الشكاوى على أنها ادعاءات، والاحتجاجات على أنها مؤامرات، والغضب والتذمر والحسرة على أنها «الثورة المضادة».
 
في أدبيات السينما المصرية ذات العلاقة بالثورات عبارة «تحيا الثولة» وبإيجاز فإنها وردت في فيلم «رد قلبي» ونطق بها الشيخ عبدالواحد والد ضابطي الجيش والشرطة علي وحسين، حين عاد إليه صوته بعدما كان فقده في موقف عكس قهراً طبقياً تعرض له في مواجهة الباشا المستبد. كان الشيخ عبد الواحد يشهد مع ابنيه وباقي أفراد عائلته من شرفة المنزل حشود المؤيدين ينطلقون إلى الشوارع مؤيدين لحركة الجيش عام 1952، فشعر بأن ثورة تولد في مصر ونطق العبارة: «تحيا الثولة.. تحيا الثولة.. تحيا الثورة»، فتنتفض الأسرة فرحاً بعودة الصوت إلى الشيخ والثورة إلى الشعب!
 
تبدو الحالة المصرية تماماً كما حال الشيخ عبد الواحد ولكن بشكل عكسي، فالشيخ عاد إليه صوته مع ميلاد ثورة، بينما الشعب المصري أو غالبيته أو قل فئات واسعة منه الآن تكاد تفقد عقولها لأن ثورة تضيع وأحلاماً تموت ويعتقد أصحابها أن يكون ما يعيشه الشعب المصري ليس نتاج ثورة وإنما «ثولة» أي ثورة لم تكتمل، أو اكتملت ثم انتكست، أو تحولت شيئاً آخر! ويندهش هؤلاء وهم يرون كل الفرقاء من أقطاب السياسة والنخب يتغنون بالثورة، أو ينسبون أنفسهم لها، أو يتفاخر بعضهم بها وبأدواره فيها، وبالغم والنكد والفساد والقهر والظلم الذي قضت عليه الثورة. على أرض الواقع ترى الحكم رئيساً وحزباً وجماعة يبرر كل أفعاله وتصرفاته وسياساته دائماً بالدفاع عن الثورة والحفاظ عليها، على اعتبار أنه المحقق لأهدافها والمتصدي لأعدائها، بينما قطاع من المعارضة في جبهة الإنقاذ مثلاً يتباكى أصحابه على أهداف الثورة التي أضاعها «الإخوان» والرئيس الذي خلف بوعوده والحزب الذي تغول والجماعة التي تحولت! أما شباب الثورة ممن لا يزالوا ينظمون الاعتصامات ويحركون التظاهرات أصحاب هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر» فإنهم يرفضون ثلاثية الحكم: الرئيس والحزب والجماعة، ويسخرون من جبهة الإنقاذ ولديهم قناعة بقدرتهم على إسقاط النظام الحالي كما أسقطوا النظام السابق من دون اعتبار للظروف التي أحاطت وأدت إلى سقوط نظام مبارك، فهم يعتقدون أنهم صانعو تلك الظروف وقادرون على خلقها مجدداً. المشهد المصري لا يشير إلى نهاية قريبة للأزمة الطاحنة بل على العكس تماماً ينبئ بمزيد من التدهور على الأصعدة كافة سواء بالنسبة للحكم أو المعارضة أو حركة الشارع، ناهيك عن الانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية والتدهور المجتمعي، وعلى رغم أن قطاعاً غير محدود من المصريين بدأ يستعيد، ربما بعد فوات الأوان، بعض مشاهد الثورة ويدرك حقائق كانت غائبة عند انطلاقها وأثنائها بفعل الوهج الثوري والرغبة في إسقاط نظام مبارك ويسمع ويشاهد فضائح بعض الأشخاص والأطراف بفعل تخطي فرقاء الأزمة مرحلة التشهير ببعضهم البعض إلى كشف الأسرار والفضائح، إلا أن قطاعاً من الشعب ما زال يحدوه الأمل في أن تستعيد الثورة أهدافها حتى وإن بدا عاجزاً بفعل التدهور العام في أحوال بلده وأوضاعه عن الهتاف لها: «تحيا الثورة» فيبدو وكأنه يعيد تجسيد مشهد الشيخ عبدالواحد ويهتف: «تحيا الثولة».



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة